مجاهد بشرى
من المثير للدهشة – والاستغراب – أن تصمت اليوم حركتا العدل والمساواة ومناوي عن واحد من أخطر الملفات التي لطالما نددتا بها في الماضي: استخدام الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين.
ففي عام 2016، كانت حركة العدل والمساواة، بلسان ناطقها الرسمي جبريل آدم بلال، من أوائل من أكدوا صحة تقرير منظمة العفو الدولية بشأن استخدام القوات المسلحة السودانية لأسلحة محرمة دوليًا في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. لم يكن موقفًا رماديًا آنذاك، بل كان تصريحًا صارخًا يطالب بتحقيق دولي عاجل ومحاسبة المسؤولين.
اليوم، بعد تحالف تلك الحركات مع الجيش ذاته الذي اتهموه بالأمس بارتكاب هذه الجرائم، يختارون الصمت. لا تعليق. لا نفي. لا إدانة. لا شيء سوى تواطؤ خفي يُخشى أن ينزلق يوماً إلى حد المشاركة المباشرة في طمس الأدلة أو تبرير الجريمة.
هذا الصمت، في ظل التقارير المتزايدة عن استخدام الجيش لغاز الخردل وغاز اللويسيت في مناطق متعددة منذ اندلاع الحرب الحالية، ليس موقفًا سياسيًا محايدًا، بل انحياز صريح للجريمة. وإن لم يكن ذلك تواطؤًا، فهو انحدار أخلاقي يُهدد بتحويل الحركات المسلحة من خصوم لنظام الإبادة إلى شركاء في جرائمه.
العودة إلى تقرير منظمة العفو الدولية
في تقريرها الصادر عام 2016 بعنوان “الأرض المحروقة، الهواء المسموم”، كشفت منظمة العفو الدولية عن أدلة دامغة على استخدام القوات المسلحة السودانية أسلحة كيميائية محرّمة دولياً ضد المدنيين في منطقة جبل مرة بدارفور. وقد استند التقرير إلى صور أقمار صناعية، وشهادات 56 ناجياً، وتحليل خبراء دوليين، وثّقوا ما لا يقل عن 32 هجوماً كيميائياً نفذتها القوات الحكومية بين يناير وسبتمبر 2016.
ظهرت على الضحايا أعراض مروعة: تقيؤ دموي، بثور جلدية، صعوبات في التنفس، وفقدان للبصر، وهي أعراض متطابقة مع التعرض لغاز الخردل أو اللويسيت، وهي أسلحة محظورة بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
أدلة دامغة في الحرب الحالية
اليوم، بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، تتكرر المشاهد والضحايا، لكن هذه المرة لدينا ملفات موثقة بالكامل تؤكد الاستخدام المتجدد للأسلحة الكيميائية:
• إفادات موثقة من ضحايا وناجين وشهود عيان من شرق النيل وكرري، وجنوب الخرطوم و دارفور.
• صور ومقاطع فيديو لسحب كيميائية صفراء وخضراء، ولضحايا انهارت أجسادهم دون شظايا أو جروح مرئية في جبل موية و الدندر ، و دارفور و كردفان.
• تقارير طبية سرية من أطباء محليين ودوليين تؤكد حالات إصابة بغاز الخردل وغاز اللويسيت، وتوثق أعراض الحروق الداخلية والرئة المتآكلة.
• تحليلات مخبرية لعينات تربة وملابس أظهرت وجود مركبات عضوية تحتوي على الزرنيخ، المكون الفعال في غاز اللويسيت.
هذه الأدلة ليست تخمينات، بل وثائق محكمة جاهزة لتُعرض أمام أي لجنة تحقيق دولية.
لماذا يلجأ الجيش لهذه الأسلحة؟
يبدو أن لجوء الجيش السوداني للأسلحة الكيميائية كـ”سلاح رعب” يعوّض به عدم المقدرة على حسم بعض المعارك. في محاولة يائسة لترهيب السكان، وشلّ قدرات العدو، وإرسال رسالة مفادها أن الجيش لا يتورع عن ارتكاب أبشع الفظائع نظرا لانعدام بوصلته الأخلاقية حيث ظلت أسلحته دائما موجهة إلى الشعب السوداني.
التواطؤ الصامت: جريمة أخرى
حين تصمت الحركات التي طالبت يوماً بالعدالة عن الجرائم ذاتها التي ساهمت في كشفها، فهي تخون دماء الضحايا وتشارك، ولو بالصمت، في استمرار الانتهاكات. وما بيان العدل والمساواة عام 2016 إلا وثيقة شاهدة على هذا التناقض، وهي لا تزال متاحة للعالم حتى اليوم، تشهد بأن الجريمة موثقة – والصمت عنها شراكة في التستر.
العدالة لا تسقط بالتقادم
مهما طال الصمت، ومهما كثرت التحالفات، فإن الأسلحة الكيميائية تترك أدلة لا تُمحى، والضحايا لن يُنسوا. هذه جرائم لا تُغتفر، ومرتكبوها سيُلاحقون – سواء ارتكبوا الجريمة مباشرة أو تواطأوا معها بالصمت.
الصمت الذي لن نمارسه ..
سنحرص على ان تتكشف هذه الجرائم..
ويحاسب مرتكبوها و من شاركوا فيها.