يعيش السودانيين هذه الأيام أحلك ايامهم فبالرغم من الغلاء غير المبرر في السلع الأساسية إلا ان ذلك لم يشفع لها أن تكون في متناول اليد، حيث يعاني المواطن في الحصول على احتياجاته بصعوبة بالغة، لاسيما الوقود، الذي عجزت الحكومة عن فك طلاسم ازمته المتطاولة، وجعلها تتجه الى الخطة (ب) وهي رفع الدعم عنه، وإتاحة الفرصة للشركات الخاصة لحل المعضلة، لكنها هي ايضاً فشلت في توفيره، ما جعل الازمة تتمدد أكثر من الأول.
صورة قاتمة
الشاهد أن الصفوف أصبحت السمة البارزة للخرطوم، بيد أن تمددها رسم صورة قاتمة لعاصمة كان يجب ان تكون مدينة تسر الناظرين خالية من أي أزمات ، لكن يبدو واضحاً ان الجهات المعنية ـ أي الحكومة ـ عجزت في تصفير عداد الصفوف وجعلها عاصمة بلا صفوف، فالولايات رغم تواجد الازمات فيها الا انها تبدو افضل حالاً من العاصمة، التي أصبحت طاردة، حيث شهدت الأشهر الأخيرة هجرة عكسية لكثير من المواطنين الى الولايات بعد ان ضاقت بهم الخرطوم رغم مساحتها الشاسعة.
أزمة جديدة
غير ان الشركات الخاصة التي اتاحت لها الحكومة الدخول في سوق الوقود وجلبه من الخارج بالعملة الصعبة، لم تفلح في توفير الوقود رغم الأسعار الباهظة التي فرضتها على المواطنين، ولم تكتف بذلك بل أسهمت في اشتعال أزمة جديدة، وهي سعر الصرف ـ الدولار ـ حيث اتجهت الشركات الى السوق الموازي لشراء الدولار من أجل جلب الوقود الى الداخل، مما أسهم في ارتفاع أسعار الدولار الى ارقام فلكية، يصعب التراجع عنها في الوقت الحاضر، كل ذلك جعل الخطة (ب) للحكومة لا يحالفها النجاح وتفشل في أول خطواتها.
وزارة مكتوفة الأيدي
والمتتبع لوزارة الطاقة يجدها مكتوفة الايدي ولا تحرك ساكناً حيال الازمة التي تتمدد يوماً بعد يوم، والناظر لقراراتها تجاه حل المعضلة يجدها تزيد العبء اكثر على المواطن المغلوب على أمره، ونستدل برفع الدعم ، فالقرار الكارثة، لم يريح المواطن لا في سعره ولا صفوفه، ورغم ان الشارع استبشر خيراً بإقالة الوزير عادل ابراهيم، إلا أن الذي خلفه ـ خيري عبدالرحمن ـ ليس بأحسن حالاً منه، فالأسماء تتبدل والازمة لا تبارح مكانها، فهل هي ازمة وزراء أم حكومة بأكملها ؟.
صدمة المواطن
الثابت ان الحكومة لم تفشل في حل ازمة الوقود فحسب، بل نجد الصفوف حاضرة في سلع أساسية أخرى منها ـ الخبز، الغاز ـ فضلاً عن الدواء الذي بالرغم من غلاء سعره إلا انه غير متوفراً، الأمر الذي جعل الشعب السوداني يعيش في صدمة جراء حكومة أتى بها ودعمها بكل ما عنده، إلا انها خيبة أمله في توفير العيش الكريم، ما دفعه الى المطالبة بمغادرتها اليوم قبل الغد، لجهة أنها فشلت في توفير أبسط مقومات الحياة، كما عجزت عن تحقيق المطالب التي قامت من اجلها الثورة على نظام المعزول البشير .
شهادة فشل
وتعليقاً على الأزمات الراهنة، يرى الخبير الاقتصادي، عثمان محمود، أن الفشل يكمن في الجهاز التنفيذي الذي يدير الدولة، مطالباً بتغييره في أسرع وقت، لافتاً إلى أن الصفوف التي يقف فيها المواطن ليلاً ونهاراً وصباحاً كفيلة بمغادرة الحكومة لدفة الحكم، بيد أنها حررت شهادة فشلها بنفسها، وقال عثمان:”ليست هنالك حلول تلوح في الأفق حتى ندعم استمرار الحكومة”، مشدداً على رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك، ان يغادر كرسيه بنفسه قبل ان يخرج الشعب الى الشارع ويسقطه كما اسقط البشير من قبله، منوهاً الى ان الظروف التي أطاحت بالأخير متوفرة الآن ومحفزة أكثر من ذي قبل.
سياسات الحكومة
بينما يشدد المحلل السياسي، أحمد خالد، على الحكومة ان تغير من سياساتها التي اثبتت أنها لن تؤتي بمكاسب ولو بعد عقود من الزمان، وقال أن الحكومة تمضي في خطواتها غير آبهة لما يعيشه المواطن من أزمات جعلت ساعات الوقوف في الصفوف اكثر من التواجد بين أفراد الأسرة في المنزل، داعياً الى ضرورة اتخاذ قرارات مفصلية حاسمة للخروج بالبلاد إلى بر الأمان، مشدداً على ضرورة الفكاك من السياسة الخارجية الراهنة، مشيراً إلى أن حكومة حمدوك منذ مجيئها اتجهت الى الخارج ولكنه خذلها في ما تتطلع إليه، منوهاً إلى ان الحلول تكمن في مغادرة الأسماء الحالية والتركيز على الموارد الداخلية.