مزمل عليم (موزارت)
● المناخ العام السائد في بلادنا لا يشجع على الحديث أو حتى الكتابة الإيجابية لكي نخلق حالة من التكاتف والجو المُتفائل لتجاوز ما يحدث حولنا من ويلات غير متناهية والآم لا تحدها حدود .. لست من محبي التشاؤم ولست من مصدريه للآخرين؛ لكن أن نعيش في جحيم الحقيقة أفضل بكثير من أن نحيا في نعيم الوهم والكذب والأمل الذي لم ولن يتحقق إطلاقاً .● كيف لما يسمون انفسهم بنجوم المجتمع السوداني أن يتبنوا مبادرات عودة طوعية للمواطنين من دول الجوار وغيرها وهم أنفسهم لا يريدون العودة !!؟؟هل أنتم أكبر من العودة للسودان .. أم انتم تعرفون تمام المعرفة أن الوضع لا يستدعي الرجوع المستعجل لأسباب يعلمها الجميع ولكنكم تقومون بتشجيع المُغيبين والمقهورين من أبنا الشعب السوداني الذين إضطروا إضطراراً للهروب واللجوء لتلك البلدان وهاهم يجبرون ايضاً للعودة ولكن لبلد مختلف تماماً لما كان قبل أكثر من عامين؛ لا أود الحديث عن اختيار الناس الخاطئ السفر لبعض البلدان التي لا يملكون أدنى مقومات العيش فيها فعندما هربوا من ضرب النار والموت الماثل أمامهم بفعل الحرب اللعينة كانوا بحالة عصيبة ولا يلاموا في اتخاذ أي قرار مهما كان .
● لا ننكر اجتهاد الحكومة الولائية في الخرطوم لإعادة الإعمار لكن ما حدث من دمار خلال الفترة السابقة أكبر من امكاناتهم بكثير ويحتاج لفترة زمنية مقدرة لكي نبدأ الحديث عن عودة خدمات فقط لا استقرارها؛ وهنا أنا اتحدث عن عموم ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث وضواحيها وليس منطقة كرري والثورات في أم درمان التي اصبحت مركزاً إدارياً وتجارياً لولاية الخرطوم بعد التدمير الواضح في مدينتي الخرطوم وبحري !!
● يستطيع المواطن خارج السودان تقييم وضع الرجوع للوطن من عدمه بنفسه وبطرقه الخاصة؛ فهل العودة للسودان رغم إفرازات الحرب أفضل له من التواجد في دولة بدون عمل أو حتى الحد الأدنى من الراحة المادية والنفسية أم البقاء في دولة اللجوء وتحمل ما يمكن تحمله من معاناة كلها قرارات صاحب الحق فيها هو الشخص نفسه؛ لكن إزعاجنا ببرامج عودة طوعية بواسطة شخصيات معروفة في الفن والرياضة وغيرهم لتلميع فكرة العودة للسودان .. أقول لهم من هذا المنبر عودوا انتم اولاً للسودان وعندما يراكم المواطن تتجولون في شوارع بحري والخرطوم وأم درمان سيتحقق فعلاً أن الوضع آمــن وعندها نمكن الإكثار من مبادرات العودة الطوعية المجانية .
● أعرف معرفة وثيقة عدد من السودانيين في مصر وليبيا يعانون الأمرين لكي يعودوا للسودان لأن أوضاعهم من الأساس التي خرجوا بها لا تؤهلهم للعيش في تلك الدول التي لا توفر فرص عمل مريحة رغم رخاء العيش الاقتصادي فيها مقارنة بالسودان .
● عندما تحدثت سابقاً عن وجود شرخ اجتماعي كبير في السودان بين الطبقات الاجتماعية والذي حدث بدوره في فترة نظام ما يعرف بــ(الإنقاذ) ولا ادري ما الذي تم إنقاذه بالضبط لكي يسموا حكومتهم بهذا الاسم؛ فالذي حدث هُـوَّة متباعدة بين أفراد الشعب الواحد ثُلة من الناس تعيش في عالم موازي من البرجوازية والأرستقراطية تفعل ما يحلو لها في كل زمان ومكان عقب هذه الثُلة توجد مجموعات ( طبقة الأغنياء بدون مصادر معروفة ) تليها مكانة ومالاً ونفوذاً وهي أكثر بكثير في العددية من الطبقة الأولى فهم مجموعات تكاثرت بصورة سرطانية في عهد البشير جزء له علاقة بالنظام وآخر تواجد بصورة تلقائية لأسباب غير مباشرة لحكم الإسلاميين الذي كان يمجد الواسطة والتزكية وروح القبلية وفساد الأسرة الواحدة في كل مفاصل الدولة؛ لذلك أصبحنا نرى تباعد اجتماعي واضح عندما نصل للفئة الاجتماعية الثالثة المعروفة سابقاً بالطبقة الوسطى؛ وأقول – سابقاً – لأن هذه الطبقة اندثرت في عهد الإنقاذ وهي أهم الطبقات في أي مجتمع في العالم فعندما يبقى أفراد هذه الطبقة هم الأغلبية نضمن التوازن المجتمعي التام في كل المجالات لكن بعد موت الطبقة الوسطى وتحول جزء يسير جداً منها للطبقات العليا المذكورة أنفاً الأرستقراطية وبعدها طبقة الأغنياء مجهولي المصادر !! وتحول غالبية الطبقة الوسطى لما يعرف بالطبقة الفقيرة أو الكادحة – البروليتاريا – فهم الذين يتم ارجاعهم قسرياً من دول اللجوء وولايات النزوح ..فتباعد طبقات السودان الاجتماعية هو أحد الأسباب غير المباشرة لما يحدث من حروب واقتتال حول موارد بلادنا الغنية بكل شيء يمكن تصوره وشعب هذه البلاد يتم ارجاعه قسرياً من أهانة اللجوء في دول الجوار إلى انعدام الخدمات الأساسية وكذلك فقدان الأمن في بعض المناطق في السودان ..
● يجب أن لا ننسى أهم الطبقات وآخرها وهي طبقة – اللومبن بروليتاريا – وهي طبقة منبثقة من الطبقة الفقيرة السابقة أو ما تعرف بطبقة ( ما دون الفقيرة ) تضم العطالة، المتسولين، المشردين، مدمني المخدرات ..هذه الطبقات المذكورة أعلاه موجودة في كل دول العالم ولكن درجة تناسبها مع بعضها البعض هو الذي يخلق لنا دولة متزنة اجتماعياً واقتصادياً ومن ثم بكل تأكيد سياسياً .. الطبقة الوسطى هي أساس نجاح المجتمعات الراقية والمتحضرة؛ أما أكثرية طبقة العمال والموظفين البسطاء المهمشة (بروليتاريا) ستتوالد منها طبقة أكثر تهميشاً من المتسولين على قارعة الطريق ومعتادي اجرام بصورة كثيفة لا يأبهون كثيراً بالخوف أو الموت مقابل ممارسة اجرامهم تدعى هذه الطبقة (اللومبن بروليتاريا) وما اكثر تواجدها في السودان .. الزيادة الطردية في نسبة هاتين الطبقتين (البروليتاريا – اللومبن بروليتاريا) تعنى الانزلاق المجتمعي نحو الهاوية والمجهول وعندها تبدأ الطبقات الأعلى (برجوازية، أرستقراطية وأغنياء) في ترك البلد هم وعائلاتهم للطبقات الدنيا لممارسة الفوضى والعشوائية والاندثار والإفناء الذاتي !!” ما قبل الختام “
● كل الذين يتنعمون في بلاد الله الواسعة بعيداً عن السودان ويعيشون رغد العيش ويستمتعون بنعمة الأمان مع أبنائهم تذكروا أن ما انتم فيه الآن هو بسبب دولة أسمها السودان؛ أنتم حصدتم من السودان الأموال والسعادة وغيركم حصد منها الحسرة والندم والويل والفقر والجوع؛ لذلك عليكم بالصمت فقط لا غير؛ لا نريد أي حديث عن عودة طوعية وأنتم خارج البلد؛ تبدأ العودة بعودتكم أنتم وكفى .
” ومضة الختام “
أنت لامن سبت أرضـك والملامح والبيـوت
شيلت أمــال بوراك، شيلت أشواق ما بتمـوت
أنت لو سافرت كايس في بلاد الغربة قـوت كيف بتتحمل عيونك يبني فيها العنكبـوت البلد خيراتها أكتر من يفوت نيلها الطيور
أو تخلي صغارها فيها تمشى تنساها وتطيرنعمة في الليل تلقى (نورا)
وفي الصباح تلقى الزهور ..
ونعمة يوم ترجع تلاقي أنو ما عاد فيها نـــــور.