بروف/ حسن سراج الدين
عقد وزير المالية د. جبريل ابراهيم فجأة ودون مقدمات ما أسماه بالمؤتمر الاقتصادي الأول تحت شعار معا لتحقيق التعافي الاقتصادي المستدام، وكان الاعداد له صامتا في غرف الفلول المظلمة، واختارت وزارة المالية أن تعرفه بالمؤتمر الأول لتقطع أي صلة بالمؤتمر الاقتصادي الأول الذي انعقد بعد تشكيل الحكومة الانتقالية، في حالة أشبه بتصفير العداد وبداية جديدة خاصة ما يشيعه جبريل باختفاء (الداتا) البيانات القومية لاقتصاد البلاد الوطني.
الا أن السؤال المهم الذي يطرح نفسه، لماذا انعقاد هذا المؤتمر؟ وفي ظل استمرار الحرب؟ وكيف يتعافى الاقتصاد والحرب نفسها أداة هدم للاقتصاد وليس بناء؟ بما يبرز حالة التناقض الغريب والانكار التي تعيشه حكومة الامر الواقع. ان يكون هناك مؤتمر للتعافي دون الدعوة لايقاف الحرب، السبب الوحيد لعدم التعافي الاقتصادي بالبلاد.
اشارت مصادر اقتصادية قريبة من دوائر القرار إلى أن وزارة المالية فيما يبدو تهدف من وراء هذا المؤتمر إلى إضفاء مشروعية لقرارات قادمة ستصدرها وشيكا، ربما سوف تثير جدلا واسعا وتحتاج الوزارة او بالاحرى جبريل إلى تغطية وتبرير قوي، ولكي يستطيع ان يدافع عنها لاحقا بالقول انها توصيات المؤتمر الاقتصادي، وليست قطع رأسه. كما هو الحال في تصرفه الشخصي بالوزارة وكأنها حاكورة او تراث شخصي خاص به وبحركة العدل والمساواة الاسرية التي يديرها.
يرى كثير من خبراء الاقتصاد أن الوزارة التي خصصت كل الموارد المتاحة لتمويل الحرب، والمسؤولة الآن عن التدهور الاقتصادي وانفلات معدلات التضخم وانهيار الجنيه، لم يتبق لها غير رهن الموارد بما فيها الأرض لجهات مشبوهة، ولأغراض خبيثة لمواصلة تمويل الحرب، وربما كان هذا دافع المؤتمر الأساسي. بدليل أن الحديث عن امكانية السماح باقامة قاعدة عسكرية أجنبية صدر بداية عن وزير المالية، قاصدا توفير التمويل الاجنبي، ونذكر ان مشروع أبو عمامة الذي يستهدف ايضا الاستيلاء على الساحل بما في ذلك الموانئ القائمة كان فكرة وتنفيذ الوزير نفسه، وانه وحاكم دارفور اتفقا في فترة سابقة مع شركة مغمورة يديرها أحد المحسوبين علي الاسلام السياسي في بلد أجنبي على انشاء خط سكة حديد من بورتسودان لأدري تمهيدا للاستيلاء علي هيئة السكك الحديدية القائمة، كما ان دوافع المؤتمر واهدافه ليست خافية على احد من المتابعين لشأن ادارة اقتصاد وزارة الحرب التي يسيطر عليها جبريل، كما يعني ذلك ان توصيات المؤتمر معدة سلفا، وماهو الا غطاء يراد له ان يكون برلمانا بديلا لسلطة بورتسودان يرفع الحرج عنها في ماسوف تصدر من قرارات ذات خطورة وتأثير على الاقتصاد القومي للبلاد، وربما التأثير على السيادة الوطنية ونهب ثروات البلاد لتمويل استمرار الحرب.
تعقد الوزارة مؤتمرها بهدف التعافي الاقتصادي، واغلب موظفي حكومة السودان لم يستلموا مرتباتهم لاكثر من سنة ويزيد دون ادنى حساسية لاوضاعهم او معاناتهم في ظل الحرب والنزوح وانعدام الدخول مع غلاء فاحش وصعوبة في توفير المواد الغذائية والسلع الضرورية، مع تركها مزارعي الجزيرة حتى من قبل الحرب دون تمويل زراعي واشتراطها رهن الحواشات، واتفاقها سابقا مع جهات مشبوهة على خصخصة المشاريع الزراعية، فأين الاقتصاد والزراعة في الحضيض.
ووزيرها كل شهر في بلد، يطير إلى الولايات المتحدة للمشاركة في اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين ولا يستطيع مسؤولوها الذهاب لبركات أو كنانة والقضارف للوقوف على ما دمرته الحرب.
يعرف جميع المتابعين والمهتمين من الخبراء الاقتصاديين ان المؤتمر لا ينمل من اجل التعافي الاقتصادي لانتفاء شرط التعافي في ظل استمرار الحرب، وانما سوف يكون المؤتمر نفسه دلالة لعدم التعافي وفرصة امام سلطة الامر الواقع لمزيد من الفساد وتبديد المال العام في الولائم والفنادق والضيافة التي ستنهمر علي أعضاء المؤتمر، في ظل معاناة المواطن الذي يفتقر لادنى مقومات الحياة وتوفير الاحتياجات الضرورية من دواء وغذاء وكساء ومأوى، بحجة نقص الأموال، وما اهدرته الحرب من توقف الانتاج وخروج معظم الايرادات الضريبية من دورة الاقتصاد القوني بالبلاد،
الامر الذي يؤكد ان المؤتنر ليس سوى ستار وان الاصلاح والتعافي الاقتصادي يبدأ بتوقف الحرب وليس قبل ذلك.