صهيل الخيل:
د. عبدالمجيد عبدالرحمن أبوماجدة
“1”
في الاسبوع المنصرم من نهاية شهر نوفمبر 2024م تفاجأ الجميع بتشكيل إدارة مدنية “حكومة ولائية” في العاصمة السودانية الخرطوم التي إنطلقت منها شرارة الحرب الاولى في الخامس عشر من ابريل من العام 2023م بعد مضي أكثر من سنة ونصف السنة من اندلاع الحرب الدامية بين الجيش وقوات الدعم السريع بحيث سيطرت قوات الدعم السريع على معظم أنحاء وتخوم ولاية الخرطوم المترامية الاطراف والاماكن الحيوية والمؤسسات الإستراتيجية بما في ذلك القصر الرئاسي والوزارات السيادية والمقارات الأمنية وبنك السودان المركزي وصك العملة ومصانع العملة الورقية .
جاءت الإدارة المدنية بولاية الخرطوم بتكُليف الاستاذ / عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن برئاسة الإدارة المدنية ولاية الخرطوم الموازية لحكومة سلطة الأمر الواقع بمدينة بورتسودان المدعومة من قبل الجيش .
كما تمت تسمية مجلس تأسيس مدني “مجلس تشريعي ولائي” يتكون من “90” عضواً .
إنّ الهدف الأساسي من تكوين هذه الحكومة المدنية والمجلس التأسيسي هو ” تقديم الخدمات الاساسية وبسط الأمن والمحافظة على النسيج الاجتماعي ” بولاية الخرطوم التي يقطنها الملايين من المواطنيين بجانب تسهيل وتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين وباسرع ما يمكن .
هنا نشير للاوضاع العسكرية والأمنية في السودان بانّ العاصمة السودانية الخرطوم ظلّت طيلة فترة الحرب بلا حكومة أو إدارة مدنية منذ انتقال قادة الجيش الي مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر .
إنّ القيادة العلياء لقوات الدعم السريع ظلت تبسط سيطرتها على ولاية الخرطوم وحافظت على الأمن في ظل هذه الحرب وتداعياتها وشكلت فيها قوة لحفظ الأمن ومحاربة الظواهر السالبة وحماية المدنيين طيلة هذه الفترة .
بينما كان يحكم “والي الخرطوم” المُكلف من قِبَل قائد الجيش من مدينة أم درمان في محلية “كرري” التي تعتبر المحلية الوحيدة في ولاية الخرطوم تقع خارج إدارة وسيطرة قوات الدعم السريع وهي المحلية التي يسيطر عليها الجيش وكتائبه الإرهابية .
إنّ قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو قد “صدق وعده” واوفى بما تعاهد به في كل خطاباته ولقاءاته وذلك بتسليم السلطة للمدنيين .
إنّ المجتمع المدني في الولايات التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع قد شرع في تكوين الإدارات المدنية في عدد من الولايات والمحليات الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع بما في ذلك ولاية الجزيرة وولاية غرب كردفان وولايات دارفور الأربعة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع عدا ولاية شمال دارفور التي هي الآن “غاب قوسين” أو أدنى و تترنح للسقوط في أيدي اشاوس قوات الدعم السريع.
إنّ سقوط مدينة الفاشر العاصمة التأريخية والرمزية لدارفور يعني نهاية لحقبة تاريخية ماضية و بسقوطها قد تفقد “فاشر السلطان” تلك الخاصية والرمزية التاريخية وتتحول هذه الخصوصية لولاية أو مدينة أخرى سيخلدها التاريخ المعاصر الحاضر وفي المستقبل .
"2"
هناك بعض الجيوب في مدينة أم درمان يسيطر عليها الجيش بما فيها محلية كرري شمال أم درمان ومحلية أم درمان القديمة وأجزاء من محلية أم بدة .
هذه المحلية والمواقع تقع فيها منطقة كرري العسكرية ومطار وادي سيدنا وسلاح المهندسين في حين تسيطر قوات الدعم السريع على بقية أنحاء المحلية وجنوب وغرب الولاية حتى جبل أولياء غرباً .
ووفقاً لبعض التقارير و الواقع في الأرض فإنّ قوات الدعم السريع تسيطر بشكل كامل على اجزاء واسعة من ولاية الخرطوم لا سيما مدن “الخرطوم والخرطوم بحري وام درمان” .
كما أنّ قوات الدعم السريع ما زالت تفرض حصاراً خانقاً و مشدداً على الوحدات العسكرية الموجودة فيها وتجعل منها جيوباً محاصرة يضيق عليها الخناق في كل لحظة وحين .
في المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس مجلس التأسيس المدني المك ناصر بيّن فيه الأسباب التي أدت الي تشكيل برلمان ولائي أطلق عليه اسم “المجلس التأسيسي المدني” من 90 عضواً يمثلون محليات الولاية المختلفة بما في ذلك الشباب والمرأة والإدارة الأهلية والمهنيين والطرق الصوفية .
هذا المجلس التاسيسي انتخب في جلسة إجرائية نايل بابكر نايل المك ناصر رئيساً له .
من جانب آخر فقد اكدت قيادة قوات الدعم السريع بأنّ مجلس التأسيس المدني قد انتخب مجلساً للقضاء وبدوره اختار رئيساً له أدى أمامه رئيس مجلس التأسيس المدني “رئيس الإدارة الجديدة”اليمين الدستورية متعهداً بمباشرة مهامه في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وحمايتهم وتقديم المساعدات الانسانية لهم واستعادة أجهزة الدولة التي انهارت بسبب الحرب لمدة عامين .
وقال رئيس مجلس التأسيس المدني المك ناصر في المؤتمر الصحافي بالخرطوم ” إنّ الفراغ الناتج عن الحرب أدى لغياب الخدمات الأساسية والضرورية ما دفع مواطني الولاية للمطالبة بتكوين إدارة مدنية” .
كما أضاف “تداعى نفر كريم من مواطني ولاية الخرطوم وأخذوا على عاتقهم تحمل المسؤولية التاريخية من أجل المواطن وتواصلوا مع قيادات الدعم السريع بالولاية وطلبوا منهم الموافقة على تأسيس إدارة مدنية تتولى تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين .
من جانبها فقد استجابت قيادة قوات الدعم السريع لمطلبهم هذا .
وأوضح أن رئيس الإدارة المدنية عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن بانه سيقوم بالتعاون مع مجلس التأسيس المدني بتشكيل جهاز تنفيذي يتولى تقديم الخدمات وتأمين وصول المساعدات الإنسانية لمواطني الخرطوم .
وقال رئيس الإدارة المدنية “بإنّ تكليفه جاء انحيازاً لما أسماه للوقوف مع المواطن المغلوب على أمره من أجل حفظ الأمن وتوفير الخدمات الأساسية وبناء السلام المجتمعي ورتق النسيج الاجتماعي وتوفير وإيصال المساعدات الإنسانية” .
كما دعا المهنيين والفنيين العاملين في ولاية الخرطوم لما أسماه تحمل المسؤولية بالعودة الفورية للعمل ليقدموا الخدمات للمواطنين .
ودعا المسؤول المدني الجديد من أطلق عليهم “طرفي الصراع” إلى إعمال صوت الحكمة وإنقاذ البلاد بوقف الحرب عاجلاً والعودة للتفاوض و الالتزام بالقانون الدولي والقانون الإنساني .
كما دعا طرفي الصراع الكف عن القصف الجوي للمستشفيات والأسواق ودور العبادة واستهداف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة عليهم وناشد المنظمات العاملة في المجال الإنساني في تقديم المساعدات الإنسانية لمواطني ولاية الخرطوم بمحلياتها المختلفة وكل ربوع السودان بأسرع ما يمكن .
"3"
إنّ المعني والمغزى الحقيقي من تشكيل الإدارة المدنية والمجلس التأسيسي بولاية الخرطوم هو قطع الطريق أمام جنرالات الجيش وكتائبهم الإرهابية من اتخاذ أي خطوة او إجراءات والقيام بتشكيل أي حكومة مدنية في بورتسودان مع العلم بانّ جنرالات الجيش وكتائب الحركة الإسلامية اليوم لا يملكون زمام المبادرة العسكرية والأمنية في السودان .
وبحسب مراقبين ومتابعين للشأن العسكري والأمني في السودان يقولون “بأنّ قوات الدعم السريع تسيطر اليوم على مساحة تقدر بخمسة وثمانين بالمائة “85%” من مساحة السودان الكلية”.
إنّ الخبراء الاستراتيجين يقولون “بانّ قوات الدعم السريع تسيطر على كل هذه المساحة الواسعة والشاسعة من المساحة الكلية للدولة السودانية وهي ما زالت تشدد الخناق على الجيش وجنرالاته المهزومون في كل المعارك التي فاقت أكثر من مائة “100”معركة كلها انتصرت فيها قوات الدعم السريع وهزم فيها جيش نظامي عمره أكثر من مائة عامٍ
في الاسابيع الماضية قام قائد الجيش الجنرال المهزوم البرهان بطرح عملة جديدة في بورتسودان بدلاً من العملة القديمة المتداولة حلياً في مناطق سيطرت الجيش ومناطق سيطرت قوات الدعم السريع .
يبدو انّ تداول العملة القديمة في أماكن سيطرت الطرفين الجيش والدعم السريع تنم على رضاء الطرفين باستخدام هذه العملة الورقية القديمة كلٌ في مناطق سيطرته .
في منحى آخر ذو صلة بموضوع العملة الجديد فقد صرح الاستاذ محمد أحمد الزين رئيس الإدارة المدنية بولاية جنوب دارفور في محلية برام في مؤتمر التعايش بين المزارعين والرعاة الذي انعقد في منتصف نوفمبر الماضي بأنهم يرفضون رفضاً باتاً تداول أي عملة جديدة يتم طرحها في ظل هذه الحرب ويقول الزين اي من يخالف هذا الأمر ويتعامل بايّ عملة خلاف العملة القديمة سيعرض نفسه لإجراءات قانونية .
ويواصل الزين حديثه بقوله ” ما زالت العملة القديمة المتداولة في مناطق سيطرت قوات الدعم السريع هي العملة المبرئة للذمة وأيّ حديث عن طرح عملة جديدة هو حديث اشواق وامنيات صعبة التحقيق والمنال”
كاتب وباحث سوداني