سؤال المبتدأ، جواب الخبر؟!
بورتسودان، هل تعوض فقدان دمشق في التاج الإيراني؟!
يبدو أن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، في طريقهما لأن يستبينا تماما في حرب السودان.
إذ كلما إرتفع أوار هذه الحرب الإقليمية بين إسرائيل وإيران، أضاء نور لهيبها زوايا كانت معتمة في كواليس الحرب الأهلية بالسودان.
ظلال علي الحرب:
فمنذ أن نفذت إسرائيل الجمعة الماضي، سلسلة ضربات جوية واسعة النطاق على أهداف إيرانية، شملت منشآت نووية، مصانع، صواريخ باليستية، وقادة عسكريين بارزين، في عملية أُطلق عليها اسم “الأسد الصاعد”.
هذه الضربات، التي استهدفت مواقع حيوية في طهران ونطنز وخرم آباد،
كانت قد ألقت علي الفور بظلالها على صراعات إقليمية مختلفة، من بينها بالطبع حرب السودان.
حيث أشارت أنباء لمقتل ثلاثة سودانيين في غارة اسرائيلية علي مقر تابع للحرس الثوري بطهران.
مخالب اسرائيل:
في ذات الوقت الذي كان علي كرتي، أمين عام الحركة الإسلامية السودانية، يتهم فيه اسرائيل ذاتها بأنها قد أنشبت مخالبها في السودان.
فيما أدان بيان لحركته الهجوم داعيا إلى “جبهة إسلامية موحدة”، فضلا عن إفادات اخري لكرتي نفسه أبرزت كيف يمكن أن تؤثر هذه التطورات على طبيعة الحرب في السودان، من خلال بيان أصدره يقول نصه ما يلي:
“نعلن وقوفنا الكامل وغير المشروط الي جانب الجمهورية الإسلامية الإيرانية، – شعبا وقيادة -، في مواجهة هذا العدوان البغيض.
وندعو كل الحركات الإسلامية والمنظمات والهيئات والرموز في العالم الإسلامي الي كسر صمتها، ورفع صوتها عاليا، واستنهاض قواعدها للوقوف صفا واحدا في وجه هذا الطغيان الصهيوني.
كما نطالب الأمة الإسلامية قاطبة بالخروج من حالة التراخي والتواطؤ، والتحرك العاجل نحو بناء جبهة إسلامية موحدة لردع الكيان الغاصب، ومناصرة قضايا الحق والمقاومة.
فالكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة”.
إحكام التموضع:
وللحقيقة فإن الضربات الإسرائيلية لم تستهدف فقط قادة عسكريين كبار في إيران، بثقل قائد الحرس الثوري حسين سلامي ورئيس هيئة الأركان اللواء محمد باقري، إلى جانب منشآت نووية مثل نطنز ومصانع صواريخ باليستية.
بل قد أثارت هذه الضربات جدلاً مهماً داخل السودان، حول مقتل ثلاثة سودانيين في هجوم على مقر الحرس الثوري بالعاصمة الإيرانية.
هذا الحدث، إلى جانب بيان علي كرتي الذي اتهم إسرائيل بـ”السياسة الاستعمارية” ودعا إلى مواجهتها، أبرز الارتباط المتزايد بين الصراع الإقليمي والصراع الداخلي في السودان.
فإيران التي قدمت دعماً عسكرياً مهماً للجيش تمثل في توفير طائرات مسيرة وربما أسلحة كيميائية ساعدت في تحقيق انتصارات ميدانية لقواته علي الأرض.
وبالتالي فإن مثل هذه الضربات الإسرائيلية على مصانع الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية قد تؤثر بشكل مباشر على تدفق مثل هذا الدعم للجيش.
إذا تضررت منشآت مثل خوجير أو بارشين.
لكن قد تدفع الضربات إيران أيضا إلى تعزيز دعمها للجيش لاحكام تموضعه تحت “محور المقاومة” في خضم مواجهتها المفتوحة مع إسرائيل وحلفائها.
إذ ثمة تقارير تشير إلى أن إيران قد تستخدم وكلاء في العراق أو اليمن للرد، وقد يمتد هذا التوجه إلى زيادة الدعم العسكري للجيش بغية تأهيله كذراع إضافي في حرب اقليمية تبدو طويلة.
ربط صراع الداخل بالخارج:
وبالطبع فإن بيان علي كرتي الأخير يعكس بلا مواربة محاولة جادة لربط الحرب في السودان بالصراع الإقليمي ضد إسرائيل، من خلال تصويره الجيش وحلفاؤه كجزء من محور “المقاومة” ضد ما أسماه “الطغيان الصهيوني”.
علي أية حال، فإذا ما ردت إيران على الضربات بتعزيز دعمها للجيش، قد يحقق ذلك لقواته تقدماً ميدانياً محدودا، لا يستبعد ان يواجه بمقاومة شرسه من قوات الدعم السريع التي سيتسع لها الدعم من قبل أعداء ايران ومحور المقاومة.
وبالقطع إذا أضعفت الضربات قدرات إيران العسكرية، فقد يفقد الجيش السوداني ميزته الحالية، مما يمنح قوات الدعم السريع فرصة لاستعادة الأراضي، التي فقدها أو أكثر منها بمناطق السودان المختلفة.
بيان كرتي المتشدد يصور الصراع كجزء من معركة وجودية ضد اسرائيل، وبالتالي فإنه قد يعرقل جهود الوساطات الدولية والإقليمية الرامية لإنهاء الحرب.
وهذا قد يقلل من إمكانية التفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع.
بينما أن استمرار الضربات قد يزيد من الضغط الداخلي على النظام الإيراني، خاصة إذا أظهرت ضعفه في حماية المدنيين أو القادة العسكريين.
وهذا قد يحفز المعارضة الإيرانية، مما يؤثر بشكل غير مباشر على دعم إيران للسودان.
سقوط نظام الملالي
وهو احتمال قال به توم غروس الصحفي والمعلق في شؤون الشرق الاوسط: “أن الضربات الاسرائيلية قد تسرع بسقوط نظام لا يحظي بشعبية، وان هدف الحرب لو كان هو احباط برنامج إيران النووي، فإن النتيجة قد تكون تحولا عميقا، بل وفرصة لصفقات سلام جديدة، هذا الهجوم هو لحظة لكتابة التاريخ”.
فالضربات الإسرائيلية على إيران تمثل منعطفاً خطيراً في الصراع الإقليمي، مع انعكاسات مباشرة على الحرب في السودان.
قد تؤدي إلى تقليص الدعم الإيراني للجيش السوداني، مما يضعف موقفه، أو إلى تصعيد الدعم كرد فعل، مما يطيل أمد الحرب.
الصراع بالوكالة:
فإن خطاب كرتي، قد يعزز تأييد فصائل الاسلام السياسي بالمنطقة للجيش، لكنه يزيد في ذات الوقت من الاستقطاب ويعقد جهود السلام على المستوى الإقليمي، ليصبح السودان ساحة صراع بالوكالة أكثر وضوحاً، كلما تزايدت تدخلات الدول الإقليمية المؤثرة في هذه الحرب.
طهران الجريحة:
كما يقول الكاتب الصحفي توماس فريدمان:
“اذا فشلت اسرائيل بهذه العملية، وخرجت طهران جريحة، وتمكنت لاحقا من بناء سلاح نووي، فإن السيناريو المحتمل هو حرب استنزاف طويلة بين أقوي جيشين في المنطقة، وربما إقدام إيران علي مهاجمة الأنظمة العربية الموالية لأمريكا”.
التاج المتأرجح:
المهم يبدو أن تاج إيران، الذي هو تاج “الإسلام السياسي” في المنطقة بامتياز، قد بات يتأرجح الآن أعلي سارية الساحة، بعد أن بدأت جواهره الأربعة، دمشق، وبغداد، وبيروت، وصنعاء، بالتساقط واحدة تلو الأخري.
إلي أن صرنا في النهاية نري طهران ذاتها، رمز “نار الفرس” المقدسة، تترنح تحت ضربات هذا “الأسد الصاعد” اليوم.