إبراهيم مطر
“على البرهان إبعاد كل عناصر الإخوان من كافة المؤسسات العسكرية”. كتبت الصحفية المصرية المقربة من دوائر صنع القرار في مصر “أماني الطويل”، في إشارة لرغبة مصرية واضحة في تخلص البرهان من الإسلاميين الرافضين للحل السلمي. ما أوجد ربكة كبيرة في صفوف الجيش المسيس، خصوصاً مع قرارات قائده الأخيرة، بإحالة عدد من ضباط الحركة الإسلامية للمعاش.
وأضافت: “الجيش السوداني يقف اليوم أمام منعطف تاريخي، حيث يتحمل مسؤولية جسيمة في إعادة وضع المسار المدني، وضمان استقرار البلاد بموجب مقررات زيورخ، الرامية الي تحقيق السلام”.
وأسباب التحول في موقف مصر كحليف للبرهان، كثيرة، لكن أبرزها – بالطبع – هو افتضاح أمر استخدام الجيش السوداني للسلاح الكيميائي، أو “الأسلحة المميتة”، كما سماها مساعد البرهان “ياسر العطا”. وكذلك صار من العسير حتى على مصر، تجاهل الجرائم الموثقة والمتزايدة يوماً بعد يوم للجيش وحلفاؤه من ذبح المدنيين والتمثيل بجثثهم، والإعدامات في الطرقات، والقتل تحت التعذيب، وفي مراكز الاحتجاز، واستخدام الإغاثة كسلاح، وكوسيلة للابتزاز، ما وصل إلى أرفع الهيئات والمحاكم والمنظمات الدولية المعنية بالحقوق والحريات، وكذلك طغيان الإسلاميين على المشهد في بورتسودان، والذي لا تخطئه عين، في وقت يتجه فيه العالم الحر لتصنيف الجماعة المتطرفة، كمنظمة إرهابية.
ذهب “البرهان” إلى سويسرا لمقابلة المبعوث الأمريكي “مسعد بولس”، وعاد ليحيل عدداً من ضباط الحركة الإسلامية البارزين في الجيش للمعاش، ابتداءً من قائد سلاح المدرعات، وحتى ضباط صغار برتبة الملازم والملازم أول، وصمت الإخوان عن هذه الإحالات، بدعوى أنها جاءت لتبرئة الجيش، بإبعاد كل من شارك في توريد السلاح الكيميائي الإيراني من سوريا، وكذلك من استخدامه في حرب العاصمة، وفي عدد من الولايات، لكن “إخواناً” آخرين، ومن داخل الجيش، بدأوا بالتململ.
أما مصر، وعلى لسان “الطويل”، فعدت الخطوة “شروعاً في استعادة زمام الإمور، وتجاوزاً للقيود التي فرضتها الجماعات الإسلامية على الجيش”، مضيفة إن هذا التوجه يلقى “استحسانًا” وتأييدًا واسعاً على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وأدانت الصحفية المصرية استخدام تحالف بورتسودان الأسلحة الكيميائية المحرمة في الحرب، وكذلك تجنيد أطفال المدارس بتوجيه من وزارة التعليم، وهو خطاب يهدد كل ما أشعلت الحركة الإسلامية الحرب من أجله، وهو الإفلات من العقاب، عن طريق العودة للسلطة بطريقة أو بأخرى.
ومن المعلوم للجميع أنه ومنذ العام 1990، يتم الانتساب للكلية الحربية السودانية بالتزكية، بمعنى أن كل من دخل الجيش خلال ال”36” عاماً الماضية إما إنه إخواني، أو تحايل على الإخوان في الحصول على “التزكية” من قريب له ينتمي للتنظيم، وفي آخر تقرير عن نسبة الإخوان داخل القوات المسلحة، جاء إن من بين كل خمسة ضباط في الجيش، أربعة ينتمون للتنظيم الإخواني.
وعليه فإن انفصال الجيش عن التنظيم الإخواني يبدو كمحاولة فصل توأم سيامي متلاصق، لا تكاد تتبين حدود جسد أحدهما من الآخر، وقيادة الجيش ملزمة – مع ذلك – بفعل شيء، خاصة مع إصرار المجتمع الدولي على ضرورة تكوين حكومة مدنية ذات مصداقية، وأن يبتعد الجيش عن السياسة والاقتصاد.
وتأمل مصر اليوم أن يقف “قادة الثورة السودانية وقواعدها الصلبة” إلى جانب الجيش في “مسيرته” نحو تحقيق السلام والاستقرار، وأن يتبنى السودانيون “موقفاً حازماً” تجاه تجاوز “القيود” التي فرضتها الجماعات الإسلامية، “والتي أثرت سلباً على أداء الجيش لعقود من الزمن”.
هذا التحول في الموقف المصري، فضلاً عن التظاهرات “المليونية” في نيالا والجنينة وجبال النوبة، التي تندد بجرائم الجيش، وتطالب بمحاكمة قيادته، وتأسيس جيش مهني جديد يلتزم بحماية البلاد، وهو ما يبدو إن الإمور تتجه نحوه.
“أيام البرهان في السلطة باتت معدودة”، قال إخواني ناقم على قائد الجيش، مهدداً ومتوعداً. ويبدو أن ”قيادة الجيش اليوم واقعة بين شقي الرحى، فمن جانب يقود الجناح الإخواني الموالي لها مطلوباً للجنائية هو المتهم الهارب “أحمد هارون”، الذي قد يضطر الجيش لتسليمه في مرحلة من المراحل، فضلاً عن جرائم الحرب الموثقة، والتي قد يضطر البرهان لإلقائها على الإسلاميين. وهناك “رزية” استخدام السلاح الكيميائي، التي قد تضطر البرهان للتضحية بياسر العطا نفسه، وهناك اشتراطات قاسية للسلام قد تفجر الوضع بالكامل، داخل تحالف حكومة البراميل.