علي أحمد
رغم تحفظاتي على كثير مما ورد في تقرير “نيويورك تايمز”، حيث اعتمد على مصادر غير متوازنة، خصوصاً فيما يتعلق بانتهاكات الحرب، إذ استقى معلوماته من موالين لحركات الارتزاق التي تُعد طرفاً فاعلاً في الحرب، بينما لم يستنطق الطرف الآخر، وهذا يُعد عيباً مهنياً كبيراً وانحيازاً واضحاً. لكنني سأسلط الضوء هنا على جزئية مهمة أغفلها كثيرون، وهي أن التقرير أشار، بالاستناد إلى مصادر متنوعة، إلى أن الحوثيين وإيران والسعودية وقطر ومصر يدعمون الجيش السوداني، بينما تبيع له الصين الأسلحة. وأضاف التقرير أن قطر أرسلت ست طائرات حربية صينية إلى الجيش السوداني، كما أرسل الحوثيون، بناءً على طلب من إيران، حمولات من الأسلحة إليه.
اللافت في هذه الجزئية هو أن الجيش السوداني مدعوم من بعض المنظمات والدول المصنفة عالمياً بأنها إرهابية، مثل النظام الإيراني والحوثيين، إلى جانب دولة قطر التي تكتفي بمد قيادة الجيش بالأموال لدفع فواتير شراء الأسلحة. كما أنها تدفع رواتب الجيش السوداني منذ عدة أشهر، وهذا ما أغفله التقرير. بالإضافة إلى ذلك، دفعت السعودية فاتورة لشراء الطائرات المسيرة، بحسب ما ورد في التقرير. أما مصر، فدورها أكبر بكثير؛ حيث شاركت في القتال عبر طيرانها منذ البداية، ورفدت قيادة الجيش الإخوانية بالمعلومات الاستخبارية، وقدمت الاستشارات العسكرية، إلى جانب توفير غطاء سياسي ودبلوماسي للجيش في المحافل الدولية وبين الدول العظمى.
ورغم هذا الدعم الكبير والسخي والمستمر للجيش، والإمكانيات القتالية الهائلة التي وفرتها له هذه الدول والمنظمات، والتي كانت كفيلة بحسم المعركة منذ بدايتها وفي وقت قياسي، كما يقول العديد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، إلا أنه فشل بشكل مريع ومخجل في تحقيق أي انتصار يُذكر، وظل يتعرض دوماً لخسائر فادحة وهزائم ساحقة، مع هروب مستمر من أرض المعركة. فما هي الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
يتفق الخبراء على أمرين:
أولهما، أن اختطاف القيادة العسكرية من قِبل الإسلاميين هو السبب الرئيس في الهزائم التي لحقت بالجيش، وفي شل قدرته على القتال والصمود. فجماعة الإخوان مرفوضة من قبل الشعب السوداني، الذي بدا له أن الجيش أشعل هذه الحرب من أجل إعادتها إلى السلطة مرة أخرى، بعد أن ثار ضدها وأطاح بها في ثورة ديسمبر المجيدة، التي انقلبت عليها قيادة الجيش بدعم من الكيزان. وهذا ما جعل غالبية الشعب السوداني تتحفظ في توفير غطاء سياسي للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش، باعتبارها جيش الكيزان.
الأمر الثاني اللافت هو ضعف القدرات الشخصية للضباط الذين يقودون الجيش، وافتقادهم للكاريزما التي تجعل الشعب يلتف حولهم. فقد كشفت المعارك التي خاضها الجيش ضد قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب وحتى الآن، أن قيادة الجيش لا تمتلك الكفاءة اللازمة لإدارة الحرب، ولا القدرات التي تؤهلها لإدارة معارك صغيرة متفرقة. كما أنها ليست محل ثقة الجنود والضباط الصغار، حيث تفتقد إلى الحد الأدنى من القدرات القيادية، إضافة إلى تورطها في الفساد وتبنيها لخطاب جهوي وديني وعنصري في كثير من الأحيان.
هذه العوامل، بجانب أخرى لا تسعفنا المساحة لسردها، أدت إلى هزيمة الجيش وتراجعه، رغم الدعم العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي الذي يحظى به من الخارج. لكنه فشل، ليس فقط في إدارة الحرب، بل حتى في إدارة العلاقات الخارجية والدبلوماسية، وسيظل هذا الفشل ملازماً له ما لم يتخلَ عن تحالفه مع الكيزان، وما لم يغير قيادته الحالية الفاسدة عديمة الكفاءة والقدرات.
الأمر الذي كشفه التقرير، دون أن يصرح به بشكل مباشر، هو أن العامل الحاسم في هذه الحرب وكل حرب هو الرجال، وليس المال أو السلاح أو الارتزاق.
الخزي للكيزان.