عبد الرحمن الكلس
أكثر مكونات الفساد والخيانة والانقلاب على أحلام الشعب هو مكون “الكتلة الديمقراطية”، لا شك في ذلك، كما ان أكبر تجمع للتفاهة والخيانة هو “تجمع الموز”، الذي تشكّل بهدف الغدر بالشعب السوداني والانقلاب عليه. أما أكثر الشخصيات الصفرية والباهتة فهي بلا منازع شخصية “جعفر الميرغني”، بينما يمثل “مبارك أردول” قمة الفساد والرخص في التاريخ السياسي. وأما “مبارك الفاضل المهدي” فهو المثال الأوضح على الانتهازية الشخصية والسياسية.
كل هذه الشخصيات أصبحت بالنسبة لي، كما للشعب السوداني بأسره، معادلات موضوعية لكل ما هو سيئ وكريه وفاسد. وجميعها كانت حاضرة في اجتماعات جنيف الأسبوع الماضي، إلى جانب شخصيات سياسية أخرى من تحالف “تقدّم” وآخرين.
ورغم أننا لا نجرّم أحداً بسبب عداوة أو كراهية، كما يأمرنا العدل، فإن الحقيقة هي أنني شعرت بعدم ارتياح تجاه أغلب الحاضرين، وأيضاً تجاه الجهة المنظمة للمنصة، لأسباب شخصية تتعلق بريبة تعتريني تجاه المواقف الفرنسية عامة، وحول افريقيا والسودان خاصةً. ومع ذلك، فإن مخرجات اجتماعات جنيف المنظمة فرنسياً، نجدها بنظرة موضوعية خالصة، تعكس رغبة السواد الأعظم من الشعب السوداني، ممن يُطلق عليهم “الكتلة الصامتة”، والذين كان شعارهم ولا يزال واضحاً: “لا للحرب”.
ليس للشعب السوداني أي مصلحة في استمرار الصراع الدموي الدائر حالياً في البلاد، كما لم تكن له يد في إشعال الحرب بين طرفيها. لذلك، من الطبيعي والمنطقي أن يرفع شعار “لا للحرب” ويعمل لتحقيقه. وهذا ما ورد بوثيقة جنيف، ولهذا السبب لا غيره، لاقت الوثيقة صدىً واسعاً بين المواطنين السودانيين، خصوصاً النازحين واللاجئين والمهجرين.
الوثيقة، التي تضمنت مبادئ وأسساً وآليات مقترحة للحل السياسي، سيتم عرضها بشكل موسع لكافة القوى السياسية الديمقراطية لأخذ آرائها وتعديلاتها. وبطبيعة الحال، فإن ما ورد في الوثيقة من بنود ليس جديداً، فقد ظلت القوى السياسية الديمقراطية تنادي به منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل 2023. لكن الوثيقة تكتسب أهميتها من إقرارها من طيف متنوع، مع النية الصادقة لعرضها للتداول مع المزيد من القوى السياسية والمدنية في الأيام المقبلة.
لا أعتقد أن سودانياً واحداً – باستثناء من ينتمون للنظام السابق “الكيزان وبلابستهم”- سيرفض الوقف الفوري للحرب، والعمل على بناء جيش مهني واحد، مع إجراء إصلاحات جذرية لمؤسسات الدولة، وفي مقدمتها الجهاز العدلي والخدمة المدنية، والتوصل إلى حل سياسي يرتكز على مشروع وطني شامل يؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تقف على مسافة واحدة من الأديان والهويات والثقافات، وتعترف بالتنوع.
كما لا أعتقد أن أحداً – غير سدنة وفلول وكيزان نظام المخلوع عمر البشير – سيعترض على إطلاق عملية شاملة للعدالة والعدالة الانتقالية، لضمان المساءلة عن الجرائم المرتكبة منذ انقلاب 30 يونيو 1989، وتسليم المطلوبين إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومعاقبة المتورطين في الجرائم المرتكبة خلال حرب 15 أبريل 2023.
هذا ما ورد بوثيقة جنيف، وعلينا بما ورد فيها لا بمن حضر، وخاصة الإقرار بأولوية تقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، وحماية حق الشعب السوداني في الحياة من جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية. كما أكدت الوثيقة على ضرورة تحقيق العدالة والإنصاف للمتضررين.
شعار “لا للحرب” هو المبدأ الأكثر قابلية للتحقق في مواجهة دعوات استمرار الحرب والموت والتدمير. ومع مرور الوقت، سينضم المزيد من الأطراف، حتى من المعسكر المناوئ، إلى هذا المبدأ. ولا بأس في أن ينضم إليه أصحاب “الموز” الانقلابيون، فهم من تسببوا في هذه الحرب. وإن أعلنوا أخيراً شعار “لا للحرب”، فقد نضج الموز!
ما نريده من جميع السودانيين في هذه المرحلة الحرجة هو أن يرفعوا شعار: “لا للحرب”، وهذا يكفي، فكراهية الحروب أولى درجات صعود سلم السلام.
(لا للحرب).