كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
(لا نستطيع جميعاً أن نكون سادة، ولا طاقة لجميع السادة أن يجدوا خدماً أمناء)
تُحِيل هذه المقولة للكاتب الإنجليزي الكبير شكسبير في مسرحية عُطيل Othello لِما يمكن أن تجسده العلاقة بين الجيش السوداني والحركة الإسلامية في السودان، فإن كليهما لن يستطيع أن يكون سيّداً، نظراً لأن السيادة لا تجوز لأثنين في آنٍ معاً، إلا بشرط واحد هو أن يكونا في حالة حلول وإتحاد، وتطابق تام أو أن يكون أحدهما صدى باهت للآخر.. أما أن يكون لكل منهما كيانه المستقل، ونظمه الحاكمة، وماهيته الوظيفية، ومشربه المعلوم وغاياته الخاصة، فذلك ما يشير بأن الخلاف بينهما حتمي وواقع لا محالة، وتصدق رؤيا شكسبير أنه ليس بوسع الجميع أن يكونوا سادة. كما لاطاقة للجميع أن يجدوا خدماً أمناء.
قد لا تتطابق الأحداث وقع الحافر بالحافر بين ما يجري في السودان بواقعه الحالي الذي يَحِمل على الأسى واللوعة على مصير أهله، وبين أحداث مسرحية عطيل بأحداثها المشوقة التي تكشف أغوار النفس البشرية على مستويات الخيانة ،الغيرة ،الحب ،الفروسية، النجاح ، الخذلان بل والندم. غير أن هنالك نوع من التطابق بين واحدية الشعور البشري عندما يصطرع الخير والشر.. وعندما يعجز بنو البشر في أن يجدوا مغزى حقيقياً لحياتهم بعيدا عما جُبِلوا عليه من نزعة لإراقة الدماء والسير بينهم بالفتنة والغواية وكلما يحيق بالنفس من آمال وطموحات.
كان (عطيل) بطل المسرحية بطلاً تحققت له كل الميزات التي جرّت عليه الحقد، وأضرمت في نفس غريمه (أياغو) نيران الضغينة والبُغض ، فلجأ الأخير لحبك خيوط مؤامرة يفسد بها حياته ليحمله على تحطيم حياته بيده حيث لا يجد في النهاية مناصاً سوى الإنتحار. فقد أوغر صدره ضد زوجته بأنها تخونه ما حمل عطيل أن يقتلها و يقتل نفسه كأقسى ما تكون النهايات مأساوية.. فبرغم أن عطيلاً قد كان قائداً عسكرياً فذاً مشهود له بالكفاءة المهنية لدرجة أنه صار محط الغيرة وتفجير منابع الخبث عند غريمه وحياكة المؤامرات ضده . ورغم أن شخصيته لا تتطابق وشخصية البرهان. إلا أن ما قال به عبد الحي يوسف حول شخصية البرهان بأنه شر وخائن وكذاب وضعيف وليس له دين وأنه شخصية غير محترمة وأنه يكاد يكون مطيّة في يد الحركة الإسلامية التي وبحسب حديثه تسيطر حتى على مكتبه، يكون بذلك عبد الحي قد لعب دور (أياغو) الذي إستفز عطيل في ذاته وأوغر صدره بأن محبوبته في هذه الحالة (السلطة) لم تعد تحبه وأنها على علاقة مباشرة بتنظيم الحركة الإسلامية التي تتسيّد المشهد الحربي بخوض غمار المعارك بساحات فدائها. وأن عناصرها وقد إنتضوا صدر المعارك ببسالاتهم. وإرتقوا في سوحها شهداءاً وأبطالاً بتضحياتهم. فالقول الفصل في تحديد مسارات الحكم مستقبلاً لن يكون لأحد سواهم. وأن الجيش بقضه وقضيضه ما هو إلا لاعب ثانوي في معركة “الكرامة”.
إن ما أدلى به عبد الحي في حق البرهان قد وسع الشقة الفاصلة بين أقطاب السلطة في حتمية المواجهة بين جيشٍ منهكٍ خائر القوى، مهلهل الأركان. يحارب على جبهات مختلفة أولها المعنوي على مستوى ترميم ذاته في نفسية أهل السودان الذين يكاد يستقر رأيهم بأن الجيش قد تصير في تخلقه الأخير واجهة للحركة الإسلامية، وبين الحركة الإسلامية نفسها التي وبعد أن تحلّبتْ ماء الحياة بالجيش لحين ظهور أياغو الحركة الإسلامية – عبد الحي يوسف – بوصفه أحد المتحدثين بأسمها متحدياً ومستفزاً حميّة الجيش وقادته ليفتح المشهد على مقولة شكسبير التي صُدِر بها هذا المقال (لا نستطيع جميعاً أن نكون سادة ولا طاقة لجميع السادة أن يجدوا خدما لهم.) وبذلك يكون عبد الحي قد فتح الطريق لبرهان أن يثبت أنه عطيل زمانه، فإما أن يكون البرهان بوصفه قائدا للجيش (سيداً) ، وأما تتسيّد الحركة الإسلامية المشهد طالما زعم عبد الحي أن كعبها في الحرب أعلى من كعب الجيش. فإن لم يكن البرهان عطيل زمانه، فحتماً أن بالجيش من تجيشُ في داخله الحمية والولاء للمؤسسة العسكرية ذلك أن بالجيش ألف عطيلٌ وعطيل.ُ