علي أحمد
ما أحصيتُ صفة صُنِّفت في أعراف البشرية جمعاء، كما في الأديان السماوية والمبادئ الأخلاقية العامة، بأنها مذمومة وذميمة، إلّا وجدتها في قائد ما يسمى بجيش حركة تحرير السودان “مِنّي أركو مناوي”. ولأن الطبع يغلب التطبّع، فقد انحدر الرجل تحت كرسيّه وتَسَفَّل في برنامج “أحمد طه” بفضائية الجزيرة القطرية، حتى ظننته من مواليد “شارع جهنم”، وهو، لمن لا يعلم، شارع تايلاندي شهير عالمياً يجمع كل سفالة الكون وبذاءته!
و”مِنّي أركو” هذا، لم يوفّر أحداً إلا اتهمه وأساء إليه. فعلاوة على الأمين العام لحزب المؤتمر السوداني “خالد عمر”، وجه سهامه مباشرة إلى الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، وكأنه يريد منه أن ينحدر من رئيس دولة يرعى مصالح شعبه وعلاقة بلده الدولية والإقليمية القائمة على المصالح أولاً وأخيراً، من أجل عائلة مسلحة تنتمي إلى نفس جماعته العرقية وتطلق على نفسها تمويهاً “حركة جيش تحرير السودان”. تمارس هذه الحركة الارتزاق وتعرض بندقيتها للإيجار لمن يدفع أكثر، وأسألوا “خليفة حفتر”، والكيزان، وقوش، والبرهان، وتلك الصحفية المغمورة التابعة لاستخبارات الجيش.
ظهر “مناوي” في برنامج الجزيرة كعادته بمظهر شديد الرثاثة، وطفق – كثورٍ في مستودع خزف – يضرب ذات اليمين وذات الشمال، لا يراعي حُرمة ولا ديناً ولا أخلاقاً، فبدا مثل الأرعن، وهو كذلك لا ريب ولا شك. وقد أكد، دون أن يرمش، ما ذهبَت إليه الصحفية المذكورة أعلاه بأن عصابته ابتزت حكومة (بورتكيزان)، إذ طالبتها بمبالغ مالية ووظائف عامة من أجل الاستمرار في الحرب، أو التوقف حال لم تُسدَّد لها ثمن بندقيتها. وما الارتزاق أكثر من ذلك؟!
كذلك ظهر الرجل في البرنامج بوجهٍ عبوس متجهم، واتسم حديثه بالغلظة والفظاظة وقلب الحقائق والكذب الفاحش، وكلها صفات ذميمة كما أسلفنا.
وحين يتهم “مناوي” تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدُّم” بأنها تتلقى أموالاً من الخارج، عليه أن يثبت ذلك بالأدلة والمستندات، كما فعلت معه صحفية الاستخبارات. وفي ذات الوقت عليه أن ينفي – إن استطاع – أن حركته لا ترتزق في ليبيا ولا تبيع بندقيتها لمن يدفع أكثر، وأنه لم يفاوض قوات الدعم السريع نفسها على مبلغ مالي مقطوع لكي يحارب بجانبها. وعندما رفضت ذلك، ارتمى في حضن المتطرفين الإسلامويين، وحضن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عن طريق المقاولة.
رأيتُ وسمعتُ وقابلتُ من يختلف مع المهندس “خالد عمر يوسف”، لكن لم يتشكك أحد منهم مطلقاً في أخلاقه ووطنيته ونزاهته ونظافة يده ولسانه. وهو يتفق سمحاً ويختلف سمحاً، ومهما كانت درجة خلافه مع الآخرين فإنه يحصره في القضايا لا الأشخاص، كما لا يضرب في المناطق الممنوعة والحساسة. ولم يحمل بندقية ليدمر بلده ويتآمر عليها ويبيع ذمته للأجانب مرتزقاً عابراً للحدود.
وشتان بين من يتحلى بأخلاق الفرسان ومن يتلطخ بعار المرتزق!
ولعل من نافلة القول هنا، إن مناوي، ولأنه جاهل بذيء وبسيط الفكرة والعقل، عندما حاول التحليق عالمياً، تعرض بكلمات نابية للإدارة الأميركية، وقال إنها تقف دائماً مع (الشواذ). ربما يقصد المثليين. وهذا ليس موقفاً مني معهم أو ضدهم، ولكن للمكان لغة وحرمة، وربما خانته لغته العربية، وهذا ليس عيباً، فعليه أن يتحدث بلغته الأم ويطالب بمترجم إلى العربية التي لا يجيدها. فلماذا يتمسك بالحديث بها؟
قال لي أحد الأصدقاء، إن الرجل ربما قصد “شُذّاذ الآفاق” فخذلته العربية، ولكنني أعتقد غير ذلك، وأنه يعني الكلمة نفسها. وهذا إسراف في الفحش والبذاءة. ثم مَن يتوقع الحساسية من جاهل ومرتزق أجير اكتسب قيمته وسط الناس من بندقيته؟
أما قصة أن إدارة (قوى الحرية والتغيير) للمرحلة الانتقالية أفضت إلى الحرب، فهذه قمة الكذب والتفاهة أيضاً. لأن مَن أشعل الحرب معروف ولا يتناطح عنزان في ذلك. وهو نفسه أحد المساهمين الكبار في إشعالها، ثم المشاركة فيها لاحقاً. فقد دعا البرهان إلى الانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك في اعتصام (الموز) الشهير، ثم ها هو يحارب الآن بمقابل مالي كمرتزق محترف لا يخجل من ذلك ولا يستحي.
أعترف بأن هذا المقال ثقيل وممل، فلا شيء أصبح يحفز عند الكتابة عن هذا الجهلول سوى البصق والاشمئزاز. والناس، كما قالت العرب قديماً، يتباهون بخصومهم، ونحن خصمنا (مِـنِّي)!
يا للعار.