منعم سليمان
مما لا شك فيه أن الحرب الإعلامية تعتبر جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الحروب الحديثة، بل والحروب القديمة أيضًا. وقد جاء في الأثر: “الحرب خدعة”، وقد فسرها المفسرون بأنها تعني استخدام الحيلة في صد العدو أو الهجوم عليه، أي أن هذه الحيلة محددة ومرتبطة بميادين المعارك، ومستهدف بها خداع الخصم (العدو) بالخطط العسكرية، وليس خداع الشعب الذي هو خارج دائرة المعركة والمتضرر أصلاً منها، كما يحدث حالياً في حرب بلادنا ممن يزعمون أنهم (إخوان) للمسلمين!
نشطت كتائب الإسلاميين منذ بداية هذه الحرب اللعينة في الترويج للكذب، والدعاية، والترويج لانتصارات وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، بعكس الحروب الإعلامية التي يكون غرضها الأساسي استهداف العدو وكسر معنوياته. بينما هؤلاء الكاذبون يستهدفون بأكاذيبهم الشعب لا خصمهم وعدوهم (قوات الدعم السريع)، فالترويج كذبًا بالسيطرة على مواقع تتواجد فيها أصلاً هذه القوات يكسر معنويات الشعب لا معنويات جنود هذه القوات، بل تزيدهم ثباتًا وارتفاعًا، وتجعل من الجيش الذي يتغطى هؤلاء الكذبة بغطائه أضحوكة أمامهم، مما يمنحهم الدافع للتقدم أكثر والسيطرة على مناطق جديدة، لا العكس!
شهدت الساحة السودانية مؤخراً تصعيدًا ملحوظًا في الدعاية الإعلامية الكاذبة لكتائب الإسلاميين وغرفهم الإعلامية وصفحاتهم الزائفة و(فاتيّاتهم ولايفاتيّاتهم)، من تنقب منهم ومن ظهر، جميعهم يروجون لأكاذيب وانتصارات وهمية للجيش السوداني لا توجد إلا في خيالهم المريض. وهي أكاذيب رديئة الصنع لا تصمد سوى سويعات قليلة، لا تتجاوز الفترة ما بين غروب الشمس وشروقها، حتى إذا طلع الصباح، سكتت شهرزاد “المسيلميّون” عن الصياح!
أكاذيب مهولة كان آخرها الادعاء بأنهم والجيش المسكين الذي يركبون على ظهره قد سيطروا على مصفاة النفط في (الجيلي) واستولوا على مناطق كثيرة، وأنهم في طريقهم الآن لتحرير كامل العاصمة من قبضة قوات الدعم السريع، مما دفع الآلاف من السودانيين الذين اكتووا بنار هذه الحرب إلى الخروج إلى الشوارع للاحتفال بهذا “الانتصار” العظيم. ولم تقتصر احتفالاتهم على داخل البلاد، بل احتفل اللاجئون والمهجرون في الخارج أيضًا، وخرج الآلاف في شوارع مصر يحتفلون بهذا النصر الكذوب، مما جعلهم عرضة للسخرية من الإعلام هناك، وزادهم هذا انكسارًا على انكساراتهم.
ولأن الكذب عادة وعبادة وتقاليد راسخة لدى الكيزان، نتيجة لعقد نفسية واجتماعية مهولة، ولأنه أيضاً عقيدة وتعاليم دينية يتلقونها من (فقه التقية) منذ الصغر، فيشبون ويكبرون على الكذب، لذا فإنه من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يتخلوا عن كذبهم هذا. إذ لم يمر يومان على كذبة المصفاة حتى خرجوا مرة أخرى بكذبة السيطرة على (جبل موية)، وقد جاء في المثل: “ذيل الكلب لا يُعدل”!
الحرب كرٌّ وفرٌّ، وهي في آخرها دمار وخراب دائم. والأسوياء وحدهم من يقفون دائمًا وأبدًا ضد الحروب، خصوصًا الحروب الداخلية التي يكون المنتصر فيها مهزومًا. كما أن الشعب السوداني، الذي عانى مرارة الحرب ومرارة الغربة والحرمان والفقدان والعدم، يحتاج إلى حقائق وإلى حلول حقيقية تساهم في إنهاء هذه الحرب المدمرة حتى يعود آمنًا إلى بلده ودياره، وليس إلى وعود زائفة وأخبار ملفقة تفاقم من عمق الجراح وتفقده الأمل وتقوده إلى الضياع. ولكنهم المجرمون القتلة، يقتلون الشعب مرتين: مرة بإشعالهم للحرب وتدمير البلاد وقتل شعبها وطرده وتهجيره وتركه يعاني في البرية وحيدًا بلا موسى، وأخرى بتدميره بالأكاذيب، وهدم معنوياته باستغلال حالة اليأس التي يعيشها، وقتل أي بصيص أمل بداخله، وجعله كائنًا مشوهًا يائسًا بلا إرادة أو أمل، تسهل قيادته وتوجيهه عن بُعد، كل ذلك في إطار مشروعهم الإجرامي بالعودة إلى الحكم مرة أخرى، والذي من أجله أشعلوا هذه الحرب وأقاموا قيامة السودان.
إنهم يقتلون السودانيين مرتين.
قاتلهم الله.