✍️ بقلم: فاطمة لقاوة
في لحظة غارقة في الفوضى السودانية،خرج محمد سيد أحمد (الجاكومي) من على شاشة الجزيرة ليرفع الستار عن ما قال إنه “تكوين قوات نخبة سودانية تُدرَّب في إريتريا”.
ما بدا كتصريح فضفاض، لم يكن إلا ناقوس خطر يُقرع بصوتٍ خافت في وطنٍ مثخن، يُنذر بأن يد الدولة الأمنية القديمة بدأت تتحسس طريق العودة بوجه جديد.
وراء كلمات الجاكومي، يطلّ شبح صلاح قوش، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن والمخابرات، أحد مهندسي قمع الانتفاضات، ومُنفذ سياسة “البيوت الآمنة” و”التعذيب الآمن”، الذي طالما عمل من الظل،واليوم، يقال إنه يتحرك مجددًا بوجهه الكالح- الذي يبين سوأة أعماله-،ليس من الخرطوم، بل من بورتسودان.
تصريحات الجاكومي حول تدريب قوات سودانية في إريتريا تثير تساؤلات خطيرة.
لماذا إريتريا؟
ولماذا الآن؟
ومن يموّل؟ ومن يُخطط؟
هل هو مجرد تحصين سياسي أم تمهيد لإنشاء جيش موازٍ جديد تحت لافتة “النخبة”، على غرار جهاز العمليات سيء السمعة الذي استخدمه النظام السابق ضد الثوار؟
إريتريا ليست أرضًا محايدة. هي أرض التجارب القذرة، والممرات الخلفية التي عبرت منها كثير من المؤامرات.
اليوم، حين يُقال إن هناك “قوات سودانية تتدرب على يد كوادر أمنية”، فالسؤال الحقيقي ليس “أين؟” بل “بإذن من؟” و“لمن؟”
في خلفية المشهد، يعود الحديث عن صلاح قوش، الرجل الذي اختفى بعد سقوط البشير، لكنه لم يختف عن خرائط النفوذ.
ظهر قوش مؤخراً في بورتسودان، في توقيت مشبوه، وسط أنباء عن ترتيبات أمنية مشددة وتحركات عسكرية مبهمة.
تقول تقارير صحفية، منها ما نشره موقع “African Intelligence” أن قوش لا يزال يحتفظ بشبكة علاقات واسعة مع أجهزة مخابرات عربية، ويعمل على إعادة صياغة المشهد الأمني السوداني من الخارج.
هل يعود قوش إلى قلب المعادلة عبر “الجاكومي”؟
أم أنه يدير شبكة أمنية لها أطماع في الأراضي السودانية، تمتد بين أسمرا والقاهرة، عبر بوابة بورتسودان؟
الجنرال حميدتي كان من أوائل من أشاروا إلى خطر قوش.
في مارس 2023، قال صراحةً في لقاء تلفزيوني:”الكيزان شغالين من تحت، وقوش ما انتهى،قوش لسه بتحرك وبيحاول يرجع.
دايرين يرجعونا للقبضة الأمنية، والبنطلونات البيضاء والسجون السرية.”
الجنراب محمد حمدان دقلو قالها بكل وضوح:من دون اقتلاع جذور الأمن القديم، لن تُبنى دولة سودانية ديمقراطية.
من يصنع مليشيا قوات النخبة خارج الحدود اليوم، سيتحكم في القرار داخلها غدًا،هذا هو درس السودان الذي لم يُحفظ.
اليوم، الحديث عن “نخبة” لا يعني الكفاءة، بل يعني التبعية،وحين تكون قوى قمعية في طور التكوين – خارج إشراف الدولة – فالأمر ليس تدريبًا،بل انقلاب بطيء يُطهى على نار الاضطراب.
السودان لا يحتاج إلى رجال أمن متقاعدين يتسللون من النوافذ التي أغلقها الشعب بالدم،
ولا إلى مشاريع نخبة أمنية تُخاط في أسمرا
وتُقَطّع في بورتسودان.
السكوت عن هذا الانبعاث الأمني – أياً كانت واجهته – هو تواطؤ مع القمع المقبل.
نقولها بصوت واضح:عودة صلاح قوش ليست شائعة،بل خطر داهم، يُعدُّ له بدقة، في لحظة الانهيار الذي يشهده معسكر بورتسودان وتصدعاته التي بانت للعيان.
إن من يُهيئ الأرضية لعودته، تحت اسم “قوات نخبة” أو “توازن سياسي”، إنما يدفع بالسودان إلى حافة هاوية جديدة.
لن نقبل بحاكم خفيّ يخرج من بين دخان بيوت الأشباح.
ولن نُستبدل سجون الخرطوم بمعسكرات إريتريا.
الثورة حيّة،ولن تُؤخذ على حين غفلة.
ولنا عودة بإذن الله
الأحد،٦يوليو/٢٠٢٥م