علي أحمد
على عكس ما يروج له في إعلام حكومة الأمر الواقع، فإن ما حدث في (أم صميمية) كان عملية نوعية مباغتةنفذتها قوات الدعم السريع، حيث شنت هجومًا خاطفًا على المنطقة الاستراتيجية الواقعة بين الأبيض والدبيبات في ولاية شمال كردفان والتي يسيطر عليها الجيش، أسفر عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين في الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه، في واحدة من أعنف المعارك منذ اندلاع الحرب.
فجر الأحد 13 يوليو 2025، تسللت وحدات خاصة من الدعم السريع إلى مشارف أم صميمة من ثلاثة محاور، مستغلة ضعف التغطية الجوية، وتحت غطاء من الطائرات المسيّرة والرصد الإلكتروني الدقيق، لتبدأ بعد ذلك سلسلة هجمات مركزة استهدفت مقار القيادة والتحكم.
في الضربة الأولى، سقط العميد عبدالله بشير العزازي، قائد المتحرك العسكري في قطاع كردفان، برصاص قناص أثناء محاولته الإشراف على عملية إعادة الانتشار في الخطوط الخلفية. ويُعد العزازي من أقدم ضباط العمليات في المنطقة، وله تاريخ طويل في قيادة المعارك البرية في جنوب كردفان والنيل الأزرق.
بجانب العزازي قتل خمسة عقداء من القوات المسلحة وقوات النخبة (التابعة لجهاز الأمن) أبرزهم قائد وحدة المُسيرات في منطقة شمال كردفان، كما أكدت مصادر ميدانية مقتل عدد من العقداء وضباط الصف الأول، كانوا يتولون إدارة المعركة من غرف عمليات متقدمة، ما أدى إلى إرباك القيادة وفقدان الاتصال بين الوحدات العسكرية المنتشرة في محيط المنطقة.
ومن الخسائر الكبرى في هذا الهجوم، تأكد أيضًا مقتل قائد القوات المشتركة في المحور، وهي القوة التي تشكّلت من ضباط الجيش وحركات الكفاح المسلح تحت قيادة موحدة. ورغم التكتّم على اسمه، إلا أن مصادر مقربة أكدت مقتله داخل مقر القيادة المتقدم، بعد استهدافه بقذيفة موجهة.
وفي الهجوم تمكنت قوات الدعم السريع مقر كتيبة “البراء بن مالك”، وقتلت قائدها هشام بيرم، الذي كان يُعد من أكثر القادة تأثيرًا على الجبهة التعبوية، خاصة في إدارة الاشتباكات المباشرة بأسلوب حرب العصابات الدينية، كما تم تدمير مركز الإرسال والتحكم، ما أدى إلى تدمير معظم تجهيزات الوحدة، وفقدان السيطرة على الطائرات المسيّرة التي كانت تغطي المنطقة.
تُعد هذه العملية أحد أخطر الضربات التي تلقاها الجيش السوداني من الناحية القيادية منذ اندلاع الحرب. فقد أسفرت عن تفريغ مراكز القرار الميداني من قادتها الأساسيين، وهو ما يراه مراقبون تحولًا خطيرًا في ميزان المبادرة العسكرية لصالح قوات الدعم السريع الأمر الذي يضع مدينة الأُبيض تحت الضغط ولربما تسقط قريباً بيد الدعم السريع.
وبالرغم من إدعاء قوات مرتزقة الحركات المتحالفة مع قيادة الجيش إنها استعاد لاحقًا السيطرة على أم صميمة، إلا أن الكلفة كانت باهظة من الناحية البشرية والاستراتيجية، وسط تساؤلات عن الثغرات الاستخباراتية التي سمحت بهذه الضربة المركزة.
ما حدث في أم صميمة لم يكن مجرد اشتباك موضعي. لقد كان اختبارًا موجعًا لفعالية التنسيق بين وحدات الجيش والمرتزقة المتحالفين معها، ومؤشرًا على قدرة الدعم السريع على تنفيذ عمليات عالية الدقة في عمق سيطرة الجيش، دون الحاجة لاحتلال دائم.
فهل تكون هذه العملية إيذانًا بمرحلة جديدة في طبيعة الحرب؟ أم أنها مجرد فاصل دموي في حرب طويلة لم تبح بعد بكل أسرارها؟