تعمقت محنة الجيش السودانــي في مدينة الفاشر، شمال دارفور، بعد أكثر من أربعة أشهر من الحصار الخانق الذي ظلت تفرضه قوات الدعم السريع، قبل هجومها الأخير الذي تسبب في انفجار الخلافات داخل معسكر الجيش المتحصن بالمدينة.
ووضعت معركة الفاشر وحدة الجيش السوداني على المحك، خصوصًا بعد اتهامات بالخيانة طالت ضباطًا كبارًا في قيادته بالفاشر، على خلفية القصف الجوي الخاطئ الذي نفذه الطيران الحربي على مقر الفرقة السادسة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الجنود.
وبعد هذا القصف، تصاعدت التوترات داخل قيادة الجيش في الفاشر، وتطورت إلى اشتباكات وتصفية بعض الضباط بعد اتهامات بالتورط في تنفيذ الضربة الجوية على مقر الفرقة، كما فرّ قائد الاستخبارات في المدينة خوفًا من التصفية، وفقًا لما نقلته وسائل إعلام محلية.
وبينما توقفت المعارك التي بدأت يوم الجمعة الماضي، بعد تقدم قوات الدعم السريع في المحاور الشرقية والجنوبية، انتقلت التوترات إلى داخل مقر قيادة الفرقة السادسة حيث تثور الاتهامات بين ضباط الجيش بـ”الخيانة”، وسط توقعات بانفجار الأوضاع أكثر خلال الأيام المقبلة.
مأزق الفاشر
وكانت أمام الجيش السوداني خيارات كثيرة للخروج من مأزق الفاشر قبل أن يصل لهذه المرحلة، بيد أنه رفض تلك الخيارات، وتمسك بالبقاء في المدينة والقتال ضد قوات الدعم السريع.
وكانت حركات مسلحة في إقليم دارفور، اقترحت في وقت سابق خروج طرفي الحرب الجيش وقوات الدعم السريع من مدينة الفاشر، وترك شأن إدارتها للقوى المسلحة التي تلتزم جانب الحياد في الصراع الجاري، وذلك في محاولة لتجنيب المدنيين في المدينة ويلات المواجهات المسلحة والقصف الجوي لطيران الجيش.
وبينما وافقت قوات الدعم السريع على المبادرة، وانخرط وفد منها في اجتماعات مع الحركات صاحبة المبادرة، رفض الجيش ذلك مدفوعًا من حركتي “تحرير السودان، والعدل والمساواة” اللتين خرجتا عن الحياد، وقررتا القتال في صف الجيش.
وكان كلٌّ من حركتي تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، أعلنتا يوم الـ16 من فبراير/ تشرين الثاني الماضي، تخليهما عن موقف الحياد الذي اتخذتاه في وقت سابق حيال الحرب الدائرة في البلاد، معلنتان أنهما “ستقاتلان في صفوف الجيش ضد قوات الدعم السريع”.
ومنذ ذلك التاريخ بدأت الأوضاع العسكرية في مدينة “الفاشر” تتعقد يومًا عقب آخر، وسط إصرار قوات الدعم السريع، على إنهاء وجود الجيش السوداني في الفاشر ليصبح كامل الإقليم تحت سيطرتها.
ومدينة الفاشر هي المكان الوحيد في إقليم دارفور الذي يوجد فيه الجيش السوداني، بعدما سقطت جميع مقراته الأخرى بالإقليم على يد قوات الدعم السريع.
وتحتضن المدينة مقر قيادة الفرقة السادسة التابعة للجيش السوداني، وهي الوحيدة المتبقية له من أصل خمس فرق عسكرية في إقليم دارفور، بعد أن سقطت الأربع الأخرى، بيد قوات الدعم السريع، عقب معارك ضارية في “نيالا، وزالنجي، والجنينة، والضعين”.
ومنذ العاشر من مايو/ أيار الماضي، ظلت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تتجدد من حين لآخر مخلفة ضحايا وسط المدنيين، كما ظلت المدينة عُرضةً لقصف الطيران الحربي التابع للجيش، والذي بدوره أدى لقتل وجرح العشرات وسط السكان.
وقالت المصادر إن قوات الدعم السريع تقدمت كثيرًا نحو مواقع سيطرة الجيش السوداني والحركات المتحالفة معه، حيث وصلت إلى المستشفى الجنوبي، الذي كان يمثل عمق مواقع سيطرة الجيش السوداني والقوى المشتركة المتحالفة معه.
انسحاب
وكانت مصادر أبلغت “إرم نيوز” في وقت سابق بأن الجيش السوداني كان يخطط للانسحاب من الفاشر، بيد أن حلفاءه في الحركات المسلحة رفضوا ذلك، وتمسكوا بالاستمرار في القتال؛ ما خلق خلافات بين الطرفين، وأوصلهما اليوم إلى مرحلة تبادل الاتهامات بالخيانة.
وأكدت أن والي شمال دارفور التابع للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش عقد نحو أربعة اجتماعات للجنة أمن الولاية، تغيّب عنها ممثلو الجيش السوداني، ما أثار حفيظة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي.
وتقاتل عدد من الحركات المسلحة في إقليم دارفور، على رأسها حركتا تحرير السودان بقيادة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، إلى جانب الجيش السوداني.
ودرج قادة هذه الحركات في الآونة الأخيرة على استخدام الخطاب القبلي في التحشيد ضد قوات الدعم السريع.
وتسببت المعارك المستمرة في موجة نزوح واسعة لسكان مدينة الفاشر نحو معسكر “أبو شوك” المجاور للمدينة، كما لجأ آخرون إلى مناطق “طويلة” و”جبل مرة” التي تسيطر عليها حركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد نور.