عبد الرحمن الكلس
لخص وزير خارجية مصر، “بدر عبد العاطي” للصحفيين مادار في لقاءاته الخارجية فيما يخص الحرب في السودان، قائلاً إنه تناول: “ضرورة وقف إطلاق النار، وتوصيل المساعدات إلى المدنيين”، وأضاف أنه أكد على: “أهمية عدم وضع الجيش السوداني الوطني في نفس الكفة مع أي أطراف أخرى”، كما أكد: “على أهمية تعزيز دور مؤسسات الدولة السودانية، حتى تضطلع بدورها للحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي”.
ولنبدأ من التصريحين الاول والأخير، ثم نأتي للتصريح الأساسي الذي تناولته وسائل الإعلام المقروءة والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي كعنوان بارز، ولا أعرف ما هي أهميته التي جعلتهم يفعلون ذلك، لكن للإعلام أجندة أيضاً، كما لعبد العاطي ونظامه وخارجيته!
قال الرجل، إنه تناول مع نظيره الأميركي؛ ضرورة وقف إطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، وهذه كلمة حق أردات بها مصر باطلاً يعلمه حتى راعي الضأن في الخلاء، فمصر هي الدولة الوحيدة التي بإمكانها أن تقول لقيادة الجيش السودان، أوقفي الحرب فتوقفها، إذهبي إلى المفاوضات فتذهب، احرقي المنامة فتحرقها، لا تذهبي لجنيف فلا تذهب، لا تأتي للقاهرة لمقابلة “بلينكن” و”بيريلو” فلا تأتي، وهكذا، ولكنها لن تقل لها أوقفي الحرب، لن تفعل ذلك والجيش مهزوم وخاسر، لأن ذلك يعني ببساطة أن مصر خسرت الحرب أيضاً، وهي مشارك أصيل فيها ومساهم كبير فيما جرى من خراب وتخريب وتدمير، وهذا ما يعلمه القاصي والداني ما عدا أمريكا ومبعوثها البليد !
عندما كان الطيران المصري الذي شارك في هذه الحرب بفعالية – وما يزال- يرابط قبل نشوبها في قاعدة مروي، ماذا كان يفعل يا ترى؟ وهل كانت الطائرات لأغراض تدريبية؟ وإذا اعتبرنا أن ذلك كان كذلك، فلماذا لم تسحب طائراتها (لتجنب الحرب) عندما اشتدت أزمة هذه الطائرات بين الدعم السريع والجيش؟؟. بالطبع كان الطيران هناك في حالة تأهب لمساندة عبد الفتاح البرهان في استمرار انقلابه وعدم توقيعه الاتفاق الاطاري، وهي (مصر) التي أوعزت للبرهان بالانقلاب وبشن الحرب على الدعم السريع وصورت له إن بإمكانه القضاء على راكبي (عربات الدفع الرباعي) في ساعات، وقامت – وربما لا تزال- بعشرات الطلعات والغارات الجوية، وتم أسر العديد من ضباطها، بعضهم أطلق سراحه، وآخرون قضوا نحبهم، وبعضهم لا يزالون في الأسر، تحتفظ بهم قوات الدعم السريع، ربما لليوم الأسود، وهي مصابة بضعف الحساسية الزمنيّة وبعمى الألوان أيضاً، فهل يوجد بعد القصف سواد؟!
لم تكتف مصر بهذه المشاركة الفعالة في حرب السودان، بل أفشلت كل محاولات التفاوض لإنهاء الحرب في بدايتها، فقد ضغطت على ضباطها في الجيش السوداني وعلى رأسهم قائده، على أن لا يذهبوا إلى أي منبر تفاوضي وأن يواصلوا القتال، لذلك يبدو تصريح عبد العاطي هذا، بلا معنى ولا جدوى ولا أهمية، إنه فقط للاستهلاك السياسي والثرثرة الدبلوماسية.
أما التصريح الأخير، فهو المثير للسخرية والضحك، وبدا لي كأنه صادر عن أحد (الكيزان) المعتقين، أو أحد القادة الميدانيين لمليشيات الإخوان المسلمين المدعومة من مصر والمشاركة في الحرب بجانب الجيش، فكيف سيعمل عبد العاطي وحكومته على تعزيز دور مؤسسات الدولة السودانية قبل انتهاء الحرب، هذا (كلام فارغ) لا يليق بوزير خارجية دولة إقليمية كبرى، ثم عن أي مؤسسات يتحدث وحكومته هي التي دفعت البرهان على الانقلاب على المؤسسات عندما انقلب على المسار الديمقراطي المدني في 25 أكتوبر، 2021، والذي كان انقلاباً مصرياً بامتياز، وهو الذي قضى تماماً على مؤسسات الدولة السودانية وساهم في قيام هذه الحرب، بل قضى على عميلهم البرهان نفسه، الذي أصبح كالمنبت؛ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى !
نأتي أخيراً، للتصريح الذي أصبح عنواناً رئيسياً للأخبار، وهو تشديد عبد العاطي وحثه أمريكا على “ضرورة عدم وضع الجيش السوداني في كفة واحدة مع الأطراف الأخرى”، ويبدو واضحاً أنه يقصد عدم وضعه في كفة واحدة مع قوات الدعم السريع، حيث لا توجد أطراف أخرى غير تلك المساندة للجيش ولمصر أيضاً؛ من حركات الإسلام المتطرف الجهادية ومليشيات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وحركات الإرتزاق المسلحة، وكلها مدعومة من مصر بالكامل، للأسف الشديد، وستكون وبالاً عليها يوماً ما ” والأيام بيننا”.
لكن إذا كان وزير الخارجية المصري يقصد “الدعم السريع” بالإطراف الأخرى، فإن حديثه عن عدم وضعه في كفة واحدة إزاء الجيش، يبدو استهلاكياً و(غبياً) أيضاً، لأنه يتحدث عن طرفي حرب، ويتحدث عن زمن حرب، لذلك فإنه شاء أم لم يشأ وطالما الدعم السريع هي طرف رئيس في هذه الحرب، فلا مناص من وضعها في كفة واحدة مقابل الجيش، خصوصاً وهي متقدمة عسكرياً عليه، كما أن أداءها السياسي أفضل من الجيش بكثير، لذلك فإن هرطقات عبد العاطي، تبدو كفقاعات رغوة، لافائدة منها، مثلها مثل تصريحات قادة الحرب من منسوبي جماعة الإخوان الإرهابية التي تدعمها مصر في السودان وتبيدها في بلدها!!
إنها تصريحات بلا معنى، ولن يسمع لها أحد ، وإن كانت مصر جادة في إحلال السلام في السودان، فعليها أن تصدر الأوامر لعملائها في الجيش وجماعة الإخوان، بالجلوس إلى المفاوضات، وسوف ينصاعون ويستجيبون، وستتوقف الحرب فوراً. لكنها لا تريد، لأن العملاء الذين صنعتهم ووضعتهم على رأس هذا الجيش وهذه الجماعة، لن يكونوا هناك بعد الحرب، لأن (جميع الأطراف) متفقة على ضرورة تأسيس جيش سوداني وطني مهني جديد، غير متحزب، وغير (عميل) !
ثم ما علاقة السيد (عب عاطي) بشؤون السودان و(الملف) بيد المخابرات؟!