أكد أحد أبرز قادة الجيش السوداني مجددًا رفض القوات المسلحة التفاوض مع “قوات الدعم السريع”، وأعلن عن “توافق القيادة المدنية والعسكرية على حسم المعركة عسكريًا”، وذلك بعد يوم واحد من إعلان قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، استعداد حكومته للعمل مع الشركاء الدوليين لإنهاء الحرب وللوصول إلى “حل سلمي”. كما أكد قائد “قوات الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو، التزامه بمفاوضات وقف إطلاق النار والمشاركة في جهود السلام.
قال الفريق أول ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، في خطاب تعبوي لمجموعات الإسناد يوم الخميس، إن الجيش السوداني سيستمر في القتال حتى إنهاء التمرد، مضيفًا أن القيادة السياسية والعسكرية متوافقة على رفض أي حديث عن التفاوض.
نسمع عن مفاوضات تجري في عدة أماكن، لكن القيادة السياسية والعسكرية والمدنية، وكذلك وزير المعادن ورئيس وفد التفاوض محمد بشير أبو نمو، والشعب السوداني جميعًا يعبرون عن موقفهم بوضوح: “لكن لا”.
يُستخدم هتاف “بل بس” من قِبل مؤيدي الجيش السوداني للتأكيد على العزم في مواصلة القتال ضد “قوات الدعم السريع”، وهو هتاف يقابل الهتاف الذي يستعمله مؤيدو “قوات الدعم”، وهو “جغم بس”…
وكلها شعارات مستمدة من هتافات المحتجين في الثورة السودانية التي أطاحت بنظام حكم الإسلاميين تحت قيادة الرئيس السابق عمر البشير: “تسقط بس”، على الرغم من أن عبارة “بل بس” في اللهجة السودانية تحمل معاني “غير لائقة”.
وكشف العطا عن تعزيز قدرات الجيش التي ستمكنه من تحقيق شعار “بل بس” قائلاً: “لقد أصبحت لدينا قدرات متزايدة نستطيع من خلالها تحقيق هذا الشعار العظيم (بل بس)”. وأضاف: “القوات المسلحة، استنادًا إلى واجبها الدستوري والقانوني والوطني والعرفي والتاريخي، تعتبر الرقيب الذي يمنع المفسدين من العبث بالوطن العزيز وبشعبه الكريم”.
وأقسم العطا على “عدم الاستسلام والانحناء” أمام من وصفهم بـ “العرب والعجم”، وعلى عدم إنهاء الحرب “قبل هزيمة التمرد”، وأوضح: “عندما بدأت معركة الكرامة، كان أول ما قلناه: والله، أقسمًا؛ لغير الله لن ننحني، ولن نستسلم حتى لو جلبوا (أحضروا) كل شيء من العالم”.
وأضاف: “نحن في القيادة العسكرية والمدنية نعمل كفريق واحد، وبكل وضوح وشفافية، فإن هدفنا واستراتيجيتنا ورؤيتنا هي القضاء على التمرد. وقد جهزنا القوات في جميع المواقع، وحققنا تقدمًا كبيرًا في ذلك، والمقاتلون المدربون قادرون على حسم المعركة”.
وقد أكد قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في رده على بيان الرئيس الأميركي جو بايدن، استعداد حكومته للتعاون مع الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب “المدمرة” مع “قوات الدعم السريع”، وعبّر عن استعداده للعمل مع جميع الشركاء الدوليين من أجل الوصول إلى حل سلمي يخفف ما وصفه بـ “معاناة شعبنا”، ويفتح الطريق نحو الأمن والاستقرار وسيادة القانون والتداول السلمي والديمقراطي للسلطة.
دعا الرئيس بايدن في بيان له الجانبين المتنازعين إلى استئناف المفاوضات التي تهدف إلى إنهاء الحرب، حيث قال: “أحث الأطراف المتحاربة المسؤولة عن معاناة الشعب السوداني على سحب قواتها وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية بلا عقبات وتفعيل المشاركة في المفاوضات لإنهاء هذه الحرب”.
تفسر التصريحات السابقة للجنرالين، القائد العام ومساعده، ما يبدو كـ”تناقض” في موقفيهما. فالعطا، الذي يُعتبر القائد الميداني الفعلي، اعتاد على إطلاق تصريحات متشددة ترفض التفاوض، ويعلن باستمرار عن “قرب حسم الحرب” لصالح قواته، بينما قائد الجيش يميل إلى الإدلاء بتصريحات تبدو أكثر “مهادنة”، مما قد يفسر بأنه يوجد “تبادل أدوار متفق عليه بين الرجلين”.
تتألف “كتائب الإسناد”، التي تحدث إليها العطا يوم الخميس، أساسًا من قوات مساعدة للجيش، ومن أبرزها “كتيبة البراء بن مالك”، المعروفة أيضًا باسم “لواء البراء بن مالك”. هذه القوات هي تشكيلات إسلامية سودانية تنتمي إلى الفصائل المسلحة التي كانت تتعاون مع “قوات الدفاع الشعبي” شبه العسكرية، التي كانت تقاتل إلى جانب الجيش خلال فترة حكم الرئيس عمر البشير، وتُعرف أحيانًا بـ”كتائب الظل”.
و”كتيبة البراء” وكتائب أخرى مثل “كتائب البنيان المرصوص”، هي مجموعات شبه عسكرية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بـ”الجبهة الإسلامية القومية” التي كان يقودها الراحل حسن الترابي، وقد تأسست في سياق “أسلمة” الجيش في أوائل التسعينات من القرن الماضي.
بعد حل “قوات الدفاع الشعبي”، تم استبدالها بـ “الكتائب”. وعندما بدأت الحرب في 15 أبريل 2023، انضمت هذه القوات إلى الجيش، ويعتقد الكثيرون أنها كانت وراء “إشعال الحرب من خلال الهجوم على (قوات الدعم السريع) في (معسكر المدينة الرياضية)”.
يقود الكتيبة الشاب المتشدد والاسلاموي المصباح أبو زيد طلحة، الذي ظهر بشكل ملحوظ منذ أيام الحرب الأولى، وزادت شعبيته بعد زيارة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان له في مستشفى بالعطبرة، وذلك للاطمئنان عليه بعد إصابته في إحدى المعارك.
من المحتمل أن يكون القائد الفعلي لتلك القوات هو أنس عمر، رئيس “حزب المؤتمر الوطني” في ولاية الخرطوم، الذي تم القبض عليه من قبل “قوات الدعم السريع” في الأيام الأولى من الحرب.
في هذا السياق، أعرب قائد “قوات الدعم السريع”، الفريق أول محمد حمدان دقلو، عن ترحيبه ببيان بايدن، مؤكداً عزيمته على متابعة جهود تحقيق السلام وحماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية. كما أبدى استعداده الكامل لوقف إطلاق النار والالتزام باستعادة الحكم المدني الديمقراطي.
وذكر دقلو، المعروف بلقب “حميدتي”، في منشور عبر حسابه على منصة “إكس”، تعقيباً على خطاب الرئيس بايدن، أن الحرب لم تكن اختياره، وأن موقفه من السلام والحكم المدني الديمقراطي تحت قيادة “القوى الديمقراطية الحقيقية” سيظل راسخاً.
نفى “حميدتي” مسؤوليته عن اندلاع الحرب، وألقى باللوم على “الحركة الإسلامية”، قائلاً: “إن الحرب كانت من صنع أولئك الذين عرقلوا تنفيذ خطوات التسوية السياسية، المتمثلة في (الاتفاق الإطاري)، والذي كان من شأنه أن يعيد بلادنا إلى مسار انتقال مدني يبعدنا عن سيناريو الجحيم الذي أدخلتنا فيه دعاة الحرب من بقايا ما يعرف بـ (الحركة الإسلامية) وعناصرها التي تسيطر على القوات المسلحة.”
وأشار إلى مشاركة قواته في محادثات وقف إطلاق النار التي جرت في جدة والمنامة، تحت رعاية “الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا (إيغاد)”. وأوضح أنه غادر السودان رغم ظروف الحرب من أجل المشاركة في قمة “إيغاد” في أوغندا، لكن قائد القوات المسلحة لم يحضر. كما غادر نائبه وشقيقه عبد الرحيم السودان أيضًا للمشاركة في مفاوضات المنامة التي فشلت بسبب غياب ممثل الجيش، رغم توقيعه على وثيقة “إعلان مبادئ” وخطط الحل الشامل، وكان وفده حاضرًا في مفاوضات جنيف بصلاحيات كاملة في غياب وفد الجيش.
وعن العمليات العسكرية الحالية في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي دعا الرئيس بايدن إلى وقفها، ذكر حميدتي أنه قدم اقتراحًا سابقًا بسحب الجيش و”الدعم السريع” من المدينة، على أن تُترك إدارتها لقوات الحركات المسلحة المحايدة، إلا أن الجيش أقر اقتراحه.
اعتبر استمرار الحرب في الفاشر “استراتيجية اتبعتها القوات المسلحة لنقل الصراع إلى دارفور، نتيجة لتأثير قادة الحركات المسلحة المتواجدين في بورتسودان الذين شاركوا في الحرب مقابل “ثمن زهيد” حصلوا عليه لأنفسهم”، معتبراً ذلك “خيانه” أسفرت عن اندلاع الحرب في الفاشر.
ودعا حميدتي المجتمع الدولي والجهات المعنية إلى “التحقيق في استمرار قصف القوات المسلحة للمناطق المدنية، لضمان محاسبة المسؤولين”، معبراً عن استعداده للتعاون في أي تحقيقات مماثلة.
وجدد التزامه بالعمل نحو تحقيق حل سلمي من خلال الانتقال إلى الحكم المدني، حيث قال: “سنسعى مع جميع الأطراف نحو سودان موحد وديمقراطي، وضمان مستقبل يسوده السلام والعدالة لكافة أبناء الشعب السوداني”.
أكد حميدتي رفضه التام لمشاركة “حزب المؤتمر الوطني” في أي عملية سياسية، مشددًا على أهمية تفكيك النظام السابق وتأسيس نظام جديد في البلاد. وقال: “نجدد موقفنا الثابت بأن (المؤتمر الوطني) ومنظومته السياسية والمدنية لا ينبغي أن تكون جزءًا من هذه العملية، ويجب أن تؤدي أي عملية سياسية إلى تشكيل حكومة مدنية، تكون من أولوياتها تفكيك النظام القديم وتأسيس نظام جديد في السودان.”
اعتبر أن “هيمنة النظام القديم” على القوات المسلحة تشكل “عائقاً” أمام إنهاء المعاناة الإنسانية، مشيراً إلى أن “المجتمع الدولي، وخاصة (الاتحاد الأفريقي) والولايات المتحدة والأمم المتحدة، يحتاج إلى ممارسة ضغط موحد ومنسق ضد القوات المسلحة وقيادتها، التي تتعاون مع دول ذات نوايا سلبية لم تكن تسعى يوماً لخدمة السودان وشعبه”.