✍️ بقلم: الطيب الزين
في سياق التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها السودان، تبرز الحاجة الملحة إلى إعادة تعريف مفاهيم السلطة والقيادة والديمقراطية، بعيداً عن التصورات التقليدية التي كرّست الإحتكار والإقصاء. لقد أظهرت ثورة ديسمبر المجيدة أن الشعب السوداني يمتلك من الوعي والقدرة ما يؤهله لتجاوز النماذج السلطوية، وأن بناء السودان الجديد يتطلب تفكيك البنى القديمة وإعادة تأسيس العلاقة بين الفرد والمؤسسة على قاعدة المشاركة والتمكين.
في هذا الإطار، يُعد مفهوم القيادة من أكثر المفاهيم حاجة إلى إعادة نظر، خاصة حين يُربط بالامتياز أو الصفات الوراثية أو الانتماء الجهوي. فالنماذج السلطوية غالباً ما تحتكر القيادة وتُعيد إنتاجها داخل دوائر مغلقة، مما يُقصي الكفاءات ويُضعف المؤسسات. غير أن النظريات الحديثة في علم الإجتماع السياسي ونماذج التنظيم الإداري، خاصة نظرية المهارات في القيادة، تُعيد تعريف القيادة باعتبارها ممارسة قابلة للتعلم والتطوير، وليست امتيازاً مغلقاً أو صفة فطرية.
وفقًا لنظرية المهارات، فإن الفاعلية القيادية لا تُقاس بما يُولد عليه الفرد، بل بما يُطوّره من مهارات عملية وإنسانية ومفاهيمية. المهارات التقنية تُشير إلى القدرة على أداء المهام بكفاءة، بينما تُعنى المهارات الإنسانية بالقدرة على التواصل، التحفيز، وبناء العلاقات، أما المهارات المفاهيمية فتتعلق بالقدرة على التفكير الاستراتيجي، واستيعاب الصورة الكلية للواقع. هذه المهارات يمكن اكتسابها عبر التجربة والتعليم والممارسة، مما يعني أن القيادة ليست هرمًا مغلقاً، بل منظومة مفتوحة يمكن للجميع المشاركة فيها وفقاً لمستويات مختلفة.
في السياق الديمقراطي، يُصبح هذا الفهم مدخلًا أساسيًا لإعادة بناء المؤسسات على قاعدة المشاركة والتمكين، لا على قاعدة الاحتكار والإقصاء. فالديمقراطية لا تُختزل في آليات التصويت، بل تُمارس يوميًا من خلال إفساح المجال لكل فرد ليُعبّر عن رأيه، ويُساهم في اتخاذ القرار، ويُظهر مهاراته وقدراته في مختلف المجالات. حين يُفسح المجال للجميع، تتحرر الطاقات الكامنة، وتُعاد صياغة مفهوم الكفاءة بعيداً عن الامتيازات الموروثة، ويُبنى مجتمع يُدار بالعقل الجماعي لا بالقرار الفردي.
هذا التحول لا يقتصر على المؤسسات السياسية، بل يشمل كل فضاءات الحياة العامة، من التعليم إلى الإعلام، ومن الحي إلى البرلمان. إن ممارسة القيادة في مستويات متعددة تُعزز من ثقافة الديمقراطية، وتُعيد الاعتبار للإنسان كمصدر للمعرفة والقرار، وتُؤسس لوطن يُبنى على العدالة والتنوع والكرامة. ومن هنا، فإن إعادة تعريف القيادة كممارسة قابلة للتعلم، وربطها بثقافة المشاركة، يُسهم في التنوير ونشر الوعي، ويُعيد الاعتبار للإنسان كفاعل مركزي في صناعة المستقبل، ويُمهّد الطريق نحو بناء مجتمع ديمقراطي يُفسح المجال للجميع دون إقصاء أو تهميش.
فهرس المراجع
- Katz, R. L. (1955). Skills of an Effective Administrator. Harvard Business Review, 33(1), 33–42.
- Mumford, M. D., Zaccaro, S. J., Harding, F. D., Jacobs, T. O., & Fleishman, E. A. (2000). Leadership Skills for a Changing World: Solving Complex Social Problems. The Leadership Quarterly, 11(1), 11–35.
- Northouse, P. G. (2021). Leadership: Theory and Practice. 9th Edition. Sage Publications.
- درامشية، لمياء (2021). القيادة الديمقراطية ودورها في المؤسسة. مجلة أبحاث، المجلد 6، العدد 2.
https://asjp.cerist.dz/en/article/174356 - محبوب، راضية & دالي علي، أمية (2022). أثر القيادة الديمقراطية في أداء المورد البشري – دراسة حالة الجزائر. جامعة محمد خيضر – بسكرة.
- مكتبة نور (2023). القيادة الديمقراطية – مجموعة كتب ومقالات.
https://www.noor-book.com/en/tag/القيادة-الديمقراطية